يخاف المقدسيّ يعقوب ريشي من أن يعود من عمله يوماً ما ليجد أن منزله قد دُمّر، وزوجته، عايدة، يساورها قلق من أن يأتي غريب لطردهم. بيتهم الصغير هو أحد 3 آلاف منزل لا تحمل رخصة للبناء في حيّ سلوان في القدس المحتلة.خاف سكان الحيّ من تهديم مزيد من المنازل، بعدما أطاحت الجرافات بيتاً قريباً منهم، أول من أمس. حيّ سلوان الآيل إلى السقوط بأمر من الاحتلال في القدس الشرقية، يقع على قمة موقع يطلق عليه الإسرائيليون مدينة داوود، الملك الذي حكم اليهود قبل 3 آلاف سنة. ويعتبر اليهود الموقع رابطاً ضرورياً بتاريخهم القديم، وقد صنفته الحكومة كمتحف أثري.
ويعترف السكان العرب بأنهم لا يملكون أذونات البناء، لكنهم يؤكّدون أنهم يملكون الأرض قبل أن تحتل إسرائيل القدس الشرقية عام 1967. ويعتبرون أوامر الإخلاء محاولة من أجل تحجيم وجودهم في العاصمة التي يأملونها لدولتهم المستقبلية.
وفي الواقع، لا تعطي بلدية القدس السكان العرب رخصاً للبناء سوى على مساحات محددة؛ فقط 34 في المئة من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 في القدس الشرقية، يُسمح بها للسكان العرب. ومع تنامي أعدادهم، بات من الطبيعي أن يتوسعوا خارج المساحات التي تحاصرهم فيها سلطات الاحتلال.
ويدور مركز النزاع الأساسي على مربع البستان المجاور، حيث صُنف 88 منزلاً للإخلاء منذ عام 2005. ويقول السكان إنّ القوات الأمنية والمسؤولين في البلدية زاروا نحو 15 منزلاً الأسبوع الماضي.
ويشير ريشي (40 عاماً) إلى أن مسؤولين اثنين في البلدية و4 عناصر من الشرطة أتوا إلى منزله وسألوه عن رخصة بنائه، وعندما أجابهم بأنه لا يملك واحدة، دوّنوا اسمه ورقم بطاقته وصوّروا باحة منزله والطريق المؤدية إليه. ومثله مثل الكثيرين في الحي.
لم يقل المسؤولون لماذا أتوا، لكن ريشي وجيرانه يعلمون: «هذه كانت الإجراءات العملية من أجل تدمير المنزل». ويقول إنه أمضى وزوجته كل حياتهما في سلوان وبنوا منزلهم منذ عام ونصف عام على أرض تملكها عائلة زوجته. يعيشان في أربع غرف مع عمته وأطفالهما الستة، وتقول الزوجة «إن أرادوا أن يدمروا المنزل، فلينزلوه على رؤوسنا».
وأكّد متحدث إسرائيلي أنّ موظفين للبلدية زاروا المكان من دون أن يعطي أي معلومات أخرى. وبعد رحيل المسؤولين، شيد بعض السكان خيمة احتجاج. وقد شجع رئيس الحركة الإسلامية في الداخل، الشيخ رائد صلاح، السكان على مقاومة أوامر الإخلاء، مشدداً على أن «موقفنا واضح، إما أن نعيش على أرضنا أو ندفن فيها».
ونفى «رئيس بلدية القدس» المحتلة، نير بركات، الأسبوع الماضي أن تكون الحكومة قد أصدرت أوامر إخلاء جديدة للمنطقة، لكنه أضاف أن «البناء غير القانوني هو بناء غير قانوني بغض النظر عن مكان تشييده». وأشار إلى أنّ وزارة الداخلية رفضت طلبات رخص السكان على أرضهم الخاصة لأن المساحة خصصت للاستخدام الترفيهي العام لا لبناء مساكن.
والمنتزه المزمع إنشاؤه في المنطقة قُرّر من قبل الحكومة، لكن طورته مؤسسة «إيلاد» المرتبطة بالمستوطنين اليهود والملتزمة بمنع الحكومة من التخلي عن القدس المحتلة في سياق صفقة سلام.
وفضلاً عن تمويل الحفريات في القدس المحتلة، تشتري «إيلاد» الأراضي من العرب وتنقلها إلى اليهود. ويقول المدير الدولي للتنمية في المؤسسة، دورون سبيلمان، إن «نحو 7 عائلات يهودية تعيش الآن في تلك المساحة، ترفع الأعلام الإسرائيلية على أسطح منازلها»، والقوات الأمنية لدولة الاحتلال تحميها.
ويسمّي سبيلمان المنطقة «نموذجاً مصغّراً للصراع العربي ـــــ الإسرائيلي»، لكنه يضيف أن منظمته سوف تستمر في جلب العائلات اليهودية وتوسيع المتحف الأثري في المنطقة، الذي بلغ زواره عام 2008 نحو 500 ألف شخص. ويقول إن «الهدف هو كشف آثار مدينة داوود قدر الإمكان واستقطاب ما أمكن من الزوار».
(أ ب)