السفارة السعودية لا تدفع الفواتير... و42 سياسياً بلا هواتف!رشا أبو زكي
ليس خافياً على أحد، أن الحكومات اللبنانية تمارس التمييز، ففي هذا البلد الصغير يمكن جعل نواب ووزراء ورؤساء وشخصيات دينية في مرتبة أعلى من البشر العاديين... وفي هذا البلد الصغير يمكن أن تتخطى سلطاته السياسية شرعة حقوق الإنسان ومبدأ المساواة المطلقة بين جميع المواطنين من دون أي تمييز... وفي هذا البلد الصغير يدخل التفاوت تفاصيل الحياة اليومية، ليصبح نائب منتخب من الشعب مثلاً، أعلى شأناً من الشعب نفسه. أو رجل دين منزّهاً عن دفع فاتورة الهاتف الثابت!
تبدأ الرواية من رسالة صوتية على الهاتف الثابت كانت تلاحق حصراً آذان المواطنين الذين يتخلّفون عن دفع فاتورة الهاتف، وتهديدات بقطع الخط تلازم الثواني الخمس التي تسبق إجراءهم أي اتصال، فيما أكثر من 100 شخصية سياسية مصنّفة في وزارة الاتصالات من فئة الـ VIP إضافة إلى جمعيات روحية وسفارات محظية تجري اتصالاتها بطريقة مجانية من دون دفع فواتير الهاتف الثابت، ولا تنقطع خطوطها ولا تزعجها الرسالة الصوتية المشهورة، علماً بأن فاتورة الشخصيات غالباً ما تكون أضعاف فاتورة المواطنين «العاديين»...
وللـVIP مفهومان في هيئة أوجيرو، ففي عام 2003 صدر مرسوم رقمه 10397 يشير إلى ضرورة تحديد سعر مختلف لأرقام الهاتف الثابت المميزة، وقد قسمت الأرقام 3 فئات: ذهبية وسعرها 500 ألف ليرة، وفضية وسعرها 350 ألف ليرة، وبرونزية وسعرها 250 ألف ليرة، والأرقام المميزة هذه أُطلقت عليها تسمية أرقام VIP، إلا أنه يمكن أيّ مشترك الحصول عليها، ومن هنا تستفيد وزارة الاتصالات عبر أوجيرو من إيرادات إضافية قائمة على التمييز بين المواطنين وفق قدراتهم المادية.
أما المفهوم الآخر لـVIP فقد بوشر العمل به منذ نهاية التسعينات وكرّس بمذكّرة صدرت خلال ولاية وزير الاتصالات السابق جان لوي قرداحي، إذ تشير مصادر «أوجيرو» إلى أنه خلال ولاية قرداحي أُدرج عدد من الشخصيات السياسية والنواب والوزراء والرؤساء على لائحة الـ«VIP»، وهؤلاء يتمتعون بامتيازات «غريبة عجيبة» وهي أنهم معفيّون من قطع خطوط هواتفهم الثابتة حتى لو لم يسدّدوا فواتيرهم الشهرية، وذلك على عكس المبدأ المتّبع بالنسبة إلى جميع المواطنين القائل بأنه تقطع الخطوط في حال عدم دفع الفواتير الشهرية. وفي حينها صدرت هذه اللائحة مع مذكّرة رسمية تلزم التقيد بإعطاء الامتيازات للشخصيات، وهذه الامتيازات تعني عملياً إعطاء الحق لهذه الشخصيات بإجراء الاتصالات مجاناً من الهاتف الثابت... وقد تراكمت هذه الفواتير خلال العام الماضي لتصل إلى 509 مليارات تعود إلى مؤسسات وسفارات من جهة، وشخصيات أُدرجت تحت خانة الـ VIP من جهة أخرى، وذلك من أصل 869 مليار ليرة، هي قيمة الفواتير المتراكمة غير المجبيّة!

... وألغيت الامتيازات

وفيما فئة الـVIP مخصصة للشخصيات السياسية، فإن عدداً من السفارات والجمعيات الروحية كانت تتمتع كذلك بالامتيازات ذاتها التي تتمتع بها فئة الـ VIp، ولكن من دون مذكرة إدارية، واللافت أن هذه الفئات لا تحتاج إلى التهرّب من دفع مستحقّاتها للدولة اللبنانية نظراً إلى «متانتها» المادية، إذ إنه بحسب مصادر «الأخبار» فإن السفارة السعودية مثلاً لم تدفع حتى اليوم فواتيرها المتراكمة، وكانت تتمتع بالامتيازات التي تعفيها من قطع الخط، وكذلك سفارات دول أخرى منها إسبانيا واليمن والمغرب وأوستراليا... وهذا المبدأ الانحيازي كان يطبّق كذلك على عدد من الجمعيات الروحية، إلى أن وصلت الفواتير المتراكمة في نهاية العام الماضي إلى 1.4 مليار ليرة على السفارات، و88 مليون ليرة على الجمعيات الروحية، و211 مليون ليرة على الشخصيات السياسية. «VIP»... إلا أن وزير الاتصالات جبران باسيل أصدر في كانون الأول الماضي مذكّرة إدارية تلغي المذكرة السابقة لقرداحي، معلناً إلغاء فئة الـVIP وأعطى المدرجين ضمن هذه الفئة مهلة حتى نهاية كانون الأول 2008 لتسوية أوضاعهم على أن تعاملهم الإدارة كغيرهم من المواطنين مع مطلع عام 2009، وكذلك أبلغ السفارات والجمعيات الروحية بضرورة سداد الفواتير، ومن حينها بدأ دفع الفواتير وانخفضت المستحقات إلى 670 مليون ليرة على السفارات، وإلى مليون ليرة على الجمعيات الروحية، و128 مليون ليرة على الشخصيات السياسية.

مساواة في المعاملة

ويشير باسيل في حديث مع «الأخبار» إلى أن عدد الفواتير الذي كان متراكماً على فئة الـVIP وصل إلى حوالى 2600 فاتورة، وقد دعيت جميع الشخصيات السياسية المدرجة ضمن قائمة الـ«VIP» إلى سداد فواتيرها، على أن تقطع خطوطها في حال التخلّف عن الدفع. ويلفت إلى أن معظم الشخصيات التزمت، وسدّدت المستحقات، فيما لم تلتزم أكثر من 40 شخصية سياسية، وبالتالي، قطعت خطوطهم على مرحلتين، الأولى شملت 38 شخصية، والثانية 4 شخصيات، وشدّد باسيل على أنه سيُعامل هؤلاء كما يُعامَل جميع المواطنين في حال عدم دفع الفواتير، أي إن هذه الشخصيات لن تستطيع الحصول على رقم جديد للهاتف الثابت إلا إذا دفعت ما يستحقّ عليها من فواتير.
أما السفارات، فوضعها مختلف، إذ يشير باسيل إلى أنها تتمتع بامتيازات خاصة من دون مذكّرات ولا قرارات، وبالتالي، فإن كانت ظاهرة الـVIP يمكن حلّها بإلغاء هذه الفئة، فإن ظاهرة السفارات تحتاج إلى تواصل مباشر مع المعنيين لإنهائها، ومن هذا المنطلق «أرسلنا كُتباً إلى السفارات لكي تسدّد فواتيرها أسوة بجميع المواطنين، وقد تجاوب عدد كبير منها باستثناء 25 سفارة، فأرسلنا كتاباً إلى وزارة الخارجية لتتابع هذا الموضوع من موقعها كمعنيّة مباشرة بموضوع السفارات الموجودة على الأراضي اللبنانية». أما الجمعيات الروحية، فقد التزم معظمها بقرار سداد الفواتير، ولم يبقَ من قيمة الفواتير غير المدفوعة التي وصلت إلى 88 مليون ليرة سوى مليون ليرة لم تسدّد... وبالتالي يبقى من فواتير السفارات والشخصيات والمؤسسات الروحية البالغة ملياراً و699 مليون ليرة، حوالى 799 مليون ليرة تنتظر السداد!


47 ألفاً

هو عدد المشتركين الذين يقسّطون فواتيرهم غير المسدّدة إلى وزارة الاتصالات وذلك منذ مطلع آذار 2008، وقرار تقسيط الفواتير يساوي بين المواطنين والشخصيات، ما شجّع عدداً كبيراً من المتخلّفين عن الدفع على سداد المستحقّات


«بالتقسيط المريح»