جابر يقول إنه في لجنة المال... ومقرر اللجنة ينفيرشا أبو زكي
لا ضمان شيخوخة ولا من يحزنون، فمشروع قانون التقاعد والحماية الاجتماعية (ضمان الشيخوخة) يخضع حالياً لدراسة اكتوارية «سرية» ينفذها خبير اقتصادي «سري»، إذ أن النواب والكتل النيابية لا يعلمون عن هذه الدراسة شيئاً، لا بل يتقاذفون المسؤوليات. فمنهم من يضع اللوم على «فريق عطل جلسات اللجان النيابية المشتركة، لذلك لم يمر مشروع القانون»، ومنهم من يرى أن «الفريق الآخر لا يريد هذا المشروع»، فيما تؤكد كتلة التغيير والإصلاح (التي طرحت اقتراح قانون في هذا الشأن) أن أحداً من الكتل النيابية لا يريد ضمان الشيخوخة... وفي الواقع، تبدو كل هذه التبريرات صحيحة، فقد طرح مشروع قانون التقاعد والحماية الاجتماعية في مجلس النواب ليقفل هذا الملف بحجة «عدم التوافق»، والدليل أن أي فريق نيابي أكثري كان أو أقلّوي لم يسع للمطالبة بإدراجه أو لمعرفة مصيره، فالكتل التي تصف نفسها بـ«المعارضة» لا تزال «لابدة» على الموضوع، فيما لم تفتعل كتل «الأكثرية» «ثورة» تشريعية كما يحصل عادة «للتنقير» على بري في ما يتعلق باستنسابية طرح مشاريع القوانين على جدول أعمال اللجان أو الهيئة العامة للمجلس، على الرغم من أن «تنقيرات» كهذه تصبح شعبية جداً قبيل الانتخابات النيابية!

رحلة الموت

جاء مشروع قانون «نظام التقاعد والحماية الاجتماعية» متعارضاً مع مصالح المضمونين، وهو لم يأخذ ببنود كثيرة وردت في مشروعين سابقين، الأول قدّم في عهد وزير المال الأسبق إلياس سابا في عام 2004، والثاني مقدّم من كتلة التغيير والإصلاح في عام 2006... وعلى الرغم من أنه ينصّ على استبدال «نظام تعويضات نهاية الخدمة» الذي ورد في قانون الضمان الصادر عام 1963 على أنه «فرع مؤقت»، بـ«نظام المعاش التقاعدي»، إلا أنه في الواقع يضع كل المخاطر على عاتق المضمون، ما يجعله أكثر ميلاً للمحافظة على النظام الحالي الرديء.
وعلى الرغم من ذلك، كان واضحاً منذ البداية أن مشروع القانون لن يمر بسهولة في مجلس النواب لأسباب عديدة، أهمها أن الرئيس فؤاد السنيورة يعلم أن إنشاء صندوق استثماري لإدارة النظام الجديد مستقل عن صندوق الضمان سيكشف العجز الفعلي الكبير في فرع تعويضات نهاية الخدمة، والناجم عن ضخامة المخالفات القانونية الناتجة من سحب أموال تعويضات المضمونين لتغطية عجز فرع ضمان المرض والأمومة، أما الرئيس نبيه بري فهو يخشى أن تكون المؤسسة التي سيتم إنشاؤها خارج سيطرته السياسية وأن يتم تخصيصها لفريق آخر وذلك ضمن لعبة المحاصصات القائمة.
الا أن الرئيسين آثرا عدم رفض المشروع بطريقة واضحة، فأقرّت اللجان النيابية المشتركة في 27 تشرين الأول 2008 مشروع القانون بإجماع ممثلي الكتل النيابية، فتم تحريك الاتحادات العمالية والهيئات الاقتصادية قبل أسبوعين من طرح هذا المشروع على الهيئة العامة للمجلس، وكان في ردود الفعل مطالب محقة من حيث رفض الثغر التي كانت تشوب مشروع القانون والتي تتناقض في بعض النقاط مع هدفه الاجتماعي، وبالتالي أرسلت اقتراحات بناءً على طلب الأمانة العامة من قبل الاتحاد العمالي والهيئات الاقتصادية إلى رئاسة المجلس قبيل عرضه على الهيئة العامة...

«مقصودة»؟

في 25 تشرين الثاني الماضي وضع المشروع على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب وأعلن بري إعادته إلى اللجان المشتركة لمناقشته من جديد... ومنذ ذلك الحين اختفى المشروع ولم يدرج حتى الآن على جدول أعمال أي جلسة من جلسات اللجان النيابية المشتركة، وإن كانت هذه الجلسات لم تعقد بسبب عدم وجود نصاب! أما الاكتشاف الجديد فهو أن النائب ياسين جابر (كتلة التنمية والتحرير) أشار إلى أن مشروع القانون غير موجود فعلاً على جدول أعمال اللجان النيابية المشتركة، «إذ إنه لا يمكن طرح موضوع مهم كهذا في جلسة لا يوجد فيها إلا عشرات النواب»، ويضيف «أعطى الرئيس بري تعليمات إلى لجنة المال والموازنة للاستعانة بخبير اكتواري يقوم بدراسة مشروع القانون ويأخذ بالاعتبار آراء الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية وآراء أخرى، على أن يضع سيناريوهات عن الانعكاسات المالية للمشروع وجدواه الاجتماعية، وهذه الدراسة بدئ العمل عليها وعقد اجتماع الأسبوع الماضي لوضع التوجهات الرئيسية، و«الرئيس بري يحثّنا على الإسراع في إنجاز الدراسة، إلا أننا لا نعرف إذا كان سيمرّ مشروع القانون معدّلاً قبل نهاية ولاية المجلس الحالي». من هو الخبير الاكتواري؟ لا يجيب جابر عن السؤال.
الا أنه يبدو أن هذه الدراسة سرية، إذ لا أحد من النواب لا يعلم بوجودها، فالنائب محمد الحجار (كتلة المستقبل) لم يأت على ذكرها في حديثه إلى «الأخبار»، لافتاً إلى أن مشروع القانون لم يطرح أصلاً على جدول أعمال اللجان المشتركة، معتبراً أن العائق الموجود أمام إقراره هو عدم اكتمال النصاب في اللجان المشتركة. ويتابع «من يراجع سجلات المجلس، ويراقب الصور التلفزيونية يعلم أن كتلة المستقبل لم تعطل جلسات اللجان»، لافتاً إلى أنه «من الممكن أن يكون قد عطّل لأن عدداً من النواب مشغولون بالانتخابات النيابية»، مؤكداً أن «كتلة المستقبل مع إقرار هذا المشروع بعد دراسته وتعديله». فيما يشير نائب أكثري (آثر عدم ذكر اسمه) إلى أن «نواب المعارضة لا يريدون هذا المشروع، ولذلك لم يتم طرحه وتغيّبوا عن جلسات اللجان».
أما المدهش فهو أن عضو لجنة المال والموازنة غسان مخيبر، لفت إلى أنه لا يعلم أي شيء جديد يتعلق بمشروع قانون ضمان الشيخوخة ولم يتبلغ بأنه مدرج على جدول أعمال اللجنة ولا يعلم بوجود أيّ دراسة في هذا الشأن، مجيباً بدبلوماسية «ربما لغيابي عن بعض الجلسات»، فيما زميله في اللجنة عبد المجيد صالح (كتلة التنمية والتحرير) يشير إلى أنه لا يعلم كذلك بمصير مشروع القانون المذكور. والمفاجأة أن النائب أنطوان أندراوس، وهو مقرر لجنة المال والموازنة، أكد أن مشروع القانون لم يحوّل إلى لجنة المال والموازنة وأنه لا يملك أي معلومة عن خبير اكتواري يقوم بدراسة مشروع الشيخوخة!


75 في المئة

من مجمل القوى العاملة غير مشمولين بأي نظام لتأمين تقاعدهم أو حمايتهم في سن الشيخوخة، في حين أن دراسة للخبير الاقتصادي كمال حمدان تشير إلى أن نسبة العاملين بأجر في لبنان تزيد على 60%


كنعان: نريد مشروع القانون