خلافات العرب لا تنتهي. وهي ليست حكراً على السياسية والخيارات، بل تدخل الأرض عاملاً مهمّاً فيها. وكالعادة لا حلّ يأتي من الداخل
شهيرة سلّوم
لا يمكن حصر الأزمات العربية في مستوى واحد، فهناك نزاعات حدودية وأيديولوجية وسياسية بين العديد من الدول العربية. نزاعات، قليل منها وجد طريقه إلى الحل، وآخر لا يزال ينتظر. وهناك نزاعات بين إحدى هذه الدول ودولة أخرى من خارج المنظومة. وهناك أنواع أخرى من الأزمات الداخلية التي تعبق بها غالبية الدول العربية.
مؤسسة النظام العربي، المتمثّلة في الجامعة العربية، تدخلت في معظم هذه النزاعات، لكن في معظمها أيضاً فشلت في الوصول إلى حل، لتدخل القضايا في مرجل التدويل وتصبح ساحة للتدّخل الأممي والغربي، أوصل إلى تدخل عسكري، على غرار أزمة الكويت والعراق، وإلى عقوبات في حال إقليم دارفور السوداني.
ولعلّ أشدّ النزاعات تعقيداً بين الدول العربية، هي أزمة الصحراء الغربية، بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، ما أدى، ولا يزال، إلى توتر في العلاقات بين الرباط والجزائر. حاولت جامعة الدول العربية التدخل في أزمة الصحراء، إلا أنها فشلت، لتحل الأمم المتحدة وسيطاً، وتعيّن وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جيمس بيكر، مبعوثاً لحلّ الأزمة، فقدّم في 1996 حلولاً عدة، من ضمنها تنظيم استفتاء على استقلال الإقليم بعد 5 سنوات، يكون خلالها تحت السيادة المغربية، وهو ما رفضته الجبهة، بحجة أن المغرب قد يعمل خلال هذه الفترة على تغيير المعالم الديموغرافية في الإقليم. وحلّ آخر يتمثل بتقسيم الصحراء بين المغرب والبوليساريو، قبلته الأخيرة مع الجزائر ورفضته المغرب.
وتدعم الجزائر البوليساريو، مالياً وسياسياً، وتستقبل أبرز قادتها، كما دعمت في 1976 إعلان الجمهورية الصحراوية العربية من طرف واحد. ويتهمها المغرب بالوقوف في وجه وحدته الترابية تحقيقاً لأطماعه.
بين مصر والسودان أزمة حدود مستعصية أيضاً، ضمن إطار مثلّث حلايب، حيث تدعي كل من الدولتين السيادة عليه، وقد شهد النزاع محطات أساسية، ففي 1958، أرسل الرئيس المصري الراحل عبد الناصر قوات الى حلايب ثم سحبها بعد شهر. بقيت المنطقة تحت الإدارة السودانية، إلى أن منحت القاهرة في 1992 حق استغلال المياه لشركة كندية، انطلقت مفاوضات بين الطرفين، انتهت بانسحاب القوات السودانية من المثلث عام 2000 وتقدّم القوات المصرية. وفي 2004، ادّعى الرئيس السوداني، عمر البشير، أنّه رغم انسحاب قوات بلاده من المثلث فهو يبقى من حق السيادة السودانية. مطالب انتعشت مع اكتشاف النفط فيه. بين السعودية وقطر، نزاع حدودي استمر نحو 35 عاماً، وصل إلى حدّ الاشتباك المسلح عام 1992، وانتهى عام 2001 بتوقيع الطرفين اتفاقاً استند إلى 15 خريطة ووثيقة لترسيم 60 كيلومتراً من الحدود المشتركة، بعدما كان قد جرى الاتفاق قبل عام على تقاسم الخليج الحيوي الغني بالنفط، دوحة سلوى.
وكانت قطر قد حلّت في العام نفسه أيضاً أزمتها مع البحرين بشأن جزر الهاوار، التي استمرت 50 عاماً، عبر اللجوء إلى المحكمة العليا التي أخذت إجراءاتها 10 سنوات قبل إصدار الحكم.
فأصدرت حكماً يقضي بعودة جزر فشت الديبل إلى البحرين التي احتفظت أيضاً بقطط الجردة وتنازلت عن ادّعاءاتها بجزر الجنان وزبارة. ووجد كثير من المراقبين أن قرار المحكمة أتى لمصلحة البحرين، فيما أعلن كل طرف القرار انتصاراً له.
وفي نزاع الإمارات مع إيران على الجزر الثلاث، طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى، ألقى العرب كافة بدعمهم وراء الإمارات، واعترضوا على قيام إيران ببناء مكتب بحري لإنقاذ السفن في أبو موسى. إلّا أنّه دعم لا يتعدّى مستوى التأييد. ولا تزال الأزمة العالقة، رغم أنّ الإمارات طلبت التحكيم الدولي في الأزمة، لكن إيران رفضت.
وهناك نزاع طويل على واحات البريمي وجد طريقه إلى الحل بين قبائل السعودية وأبو ظبي وعُمان. وبعد جولة من المفاوضات في الخمسينيات، اعترفت السعودية بمطالب أبو ظبي وعمان بالواحات، وحصلت على ممر إلى الخليج وحصة في حقل نفطي موضع النزاع من جانب أبو ظبي. لكن بقيت بعض المسائل عالقة بشأن بعض المساحات الحدودية وحقوق المياه. وكان مجلس التعاون الخليجي الأقدر على حل الأزمات بين دوله الأعضاء أكثر من جامعة الدول العربية.
أما نزاع العراق والكويت، فقد ظهرت فيه المؤسسة العربية في أوهن مواقفها، وأدى إلى احتلال ثم نهب نفط بلاد الرافدين. فحين اجتاح صدام حسين الكويت «لاستعادة حقوق تاريخية لبلاده»، على حدّ قوله، لم تكن المؤسسة العربية له بالمرصاد بل انقسمت الدول العربية على نفسها في محورين، وتدخلت الأسرة الدولية بزعامة واشنطن لإخراجه، قبل أن تعود الأخيرة إلى بلاد الرافدين عام 2003.