كان من المفترض أن تكون المصالحة الفلسطينية الإنجاز الأوّل للقمة العربية، قبل انعقادها، غير أن الرياح لم تجرِ كما تشتهي السفن المصرية والعربية، لتطرح على القمّة استحقاق الوحدة الفلسطينية، لعلّها تجترح حلولاً للخروج من قمقم الانقسام
حسام كنفاني
أرخت أجواء «كسر الجليد» العربية، بدءاً من قمة الكويت الاقتصادية مروراً باللقاءات الثنائية وصولاً إلى القمة الرباعية في الرياض، أجواءً من التفاؤل الفلسطيني، بإمكان انتقال حال الوئام العربي إلى الفصائل المتناحرة، وإعادة اللحمة إلى شقي السلطة الفلسطينية بعد انقسام الضفة الغربية عن قطاع غزّة في الرابع عشر من حزيران عام 2007، في أعقاب الحسم العسكري «الحمساوي»، وما تلاه من قرارات أدت إلى حكومتين وبرلمانين وجهازي شرطة وجهازين قضائيين.
آمال استعادة الوحدة بدت في طريقها إلى التحقّق مع دعوة القاهرة الفصائل الفلسطينية إلى مؤتمر حواري تمهيدي، ونجاحها في جمع «فتح» و»حماس» وباقي الفصائل الفلسطينية إلى طاولة واحدة للمرة الأولى منذ عملية الحسم في غزّة. خطوة كانت لا شك أولى في مسيرة الألف ميل في الطريق إلى الوحدة الفلسطينية، ولا سيما أن الاجتماع الأولي لم يكن لأكثر من وضع خطوط عريضة لمبادئ الحوار وأهدافه، من دون الدخول في تفاصيل الملفات الخلافية، التي تركت للجان الخمس، التي كان من المفترض أن تجتمع لمناقشة مواضيع الحكومة، والأجهزة الأمنية، ومنظمة التحرير، والانتخابات، والمصالحات الداخليّة.
أرضية الحوار لم تكن مؤهلة للوصول إلى تفاهم كامل وثابت بين الفلسطينيين، ولم تكن الآمال كبيرة على عمل اللجان، لكن الأجواء العربية المستجدة خلقت قناعة شعبية أن بإمكان الفصائل القفز فوق خلافاتها لاعتبارت، ولا سيما أن الدول العربية المعنية وصاحبة النفوذ في الملف الفلسطيني، بدأت خطوات تقارب بعد طول بعاد. بعاد كان له دور أساسي في حال التأزم الذي وصلت إليه العلاقات الفلسطينية الداخلية.
غير أن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر، فالانقسام الفلسطيني أبعد من مجرد كونه انعكاساً للخلافات العربية ــ العربية. هذه الخلافات هي مجرد تفصيلية في الخلافات الفلسطينية المتشعبة، وذات الأبعاد المتعددة. إذاً الأمور لا تقف عند حدود الدول العربية، بل إن العاملَين الأميركي والإسرائيلي حاسمان في انقسام الضفة الغربية وقطاع غزة.
وإضافةً إلى هذه العوامل، فإن الاعتبارات الفصائلية لا تقل أهمية عمّا سبق، إذ إن لكل فصيل مطالبه، التي لا يمكنه التنازل عنها لأي طرف كان، ولا سيما أن بعضها يعتبر وجودياً لهذا الفصيل أو ذاك، ويؤمّن له الاستمرارية.
وفق هذه المعطيات، لم يكن تعليق اجتماعات اللجان في القاهرة مستغرباً، بعدما اصطدم التوافق بخلافات ذات أبعاد متعدّدة. فالنقاط العالقة ليست مرتبطة بالخلافات العربية، بقدر ما هي تمثّل دليلاً على التغلغل الغربي، وخصوصاً الأميركي والإسرائيلي، في ملف العلاقات الفلسطينية ــ الفلسطينية.
فمن ملفات اللجان الخمس، التي أجرت مفاوضات ماراتونية على مدى عشرة أيام الشهر الماضي في القاهرة، لم تتمكن سوى لجنة واحدة من إنجاز اتفاق شامل، وهي لجنة المصالحات التي تتعاطى مع العلاقات العشائرية والعائلية في قطاع غزة، والتي عاشت فعلاً احتراب الشقيق مع شقيقه إبان مواجهات «فتح» و»حماس» قبل الحسم العسكري وإبانه. ملف مرتبط أساساً بالأموال، التي اتفق المجتمعون على أن تؤمّنها القمة العربية، لدفع ديات القتلى واسترضاء العشائر.
أما في ما يتعلّق باللجان الأربع الباقية، فالحال بقيت كما هي، رغم إحراز تقدم وشبه اتفاق على قضايا جانبية، فيما بقيت الأمور الجوهرية محل خلاف، ولا سيما لجنة الحكومة، التي كان تأليفها يعدّ، ولا يزال، الهدف الأوّل للحوار. لكن التأليف اصطدم بالفيتو الأميركي على مشاركة «حماس» فيها من دون اعترافها بشروط «الرباعية» الدولية. «فيتو» لا يستطيع العرب معه شيئاً، إلّا الاصطفاف خلف حق «حماس» في المشاركة في الحكومة، أو الضغط على الحركة للتنازل عن طلب ترؤسها، والموافقة على حكومة تكنوقراط يعترف بها الغرب لتتمكن من صرف أموال إعادة إعمار قطاع غزة.
العقدة الأساسيّة الثانية مرتبطة بالانتخابات. فبعد الاتفاق على موعدها في الرابع والعشرين من كانون الثاني 2010، اصطدمت المفاوضات بعقبة القانون. نسبي بالكامل، وهو ما تريده كل الفصائل الفلسطينية، باستثناء «حماس»، التي تشترط للموافقة عليه رفع نسبة الحسم إلى 8 في المئة أو العودة إلى نظام المناصفة بين الدوائر والنسبي، وهو النظام الذي مكّن الحركة الإسلامية من الفوز بغالبية المجلس التشريعي عام 2006. المطلب يمثل حاجة إلى استمرار الثقل السياسي للحركة الإسلامية، ولا سيما أنها في الانتخابات الماضية نالت 29 مقعداً، مقارنةً بـ 28 لحركة «فتح»، في الاقتراع النسبي، وأحدثت الفرق في نظام الدوائر الذي حصلت فيه على 74 مقعداً. ووفق النظام النسبي الكامل، وبنسبة حسم 1,5 في المئة كما ينص قانون الانتخابات، فإن تحالف «فتح» وفصائل منظمة التحرير يمكن أن يحدث الفارق لتخسير «حماس» غالبيتها في المجلس التشريعي المقبل.
هاتان النقطتان الجوهريتان، بعد الاتفاق على ترحيل الخلافات في لجنتي الأمن ومنظمة التحرير، لا تنفع معهما المصالحات العربية، إلا إذا كانت في إطار التوافق على الضغط على أحد من الطرفين ودفعه إلى التنازل. خيار قد يؤدي إلى انفجار جديد عند أي انتكاسة للوفاق العربي.