تحوّل العراقيّون إلى قبلة لتصريحات الحكّام الغربيين الذين تهافتوا للتهنئة على «الخطوة الكبيرة إلى الأمام» في إنجاح انتخابات مجالس محافظاتهم في اقتراع يوم أول من أمس، الذي يتّجه عبره رئيس الحكومة نوري المالكي إلى تكريس نفسه «الرجل الأقوى»
بغداد ــ الأخبار
نجح العراقيون، حكّاماً ومواطنين، إلى حدّ بعيد، أول من أمس، في استحقاق انتخابات مجالس محافظاتهم. نجاح عبّرت عنه معطيات عديدة:
ــ تخطّت نسبة التصويت ما بلغته في انتخابات عام 2005، ووصلت إلى 51 في المئة، حسبما أعلنه رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فرج الحيدري، الذي كشف عن أن النتائج الأولية ستظهر خلال «الأسبوع الجاري على أن تصدر النتائج النهائية بعد أسابيع».
ورغم أنّ المعدّل الوسطي العام لم يرتقِ إلى ما أمله حكام بغداد، ومن خلفهم المسؤولون الأميركيون والأوروبيون عموماً، فإنّ البارز كان المشاركة الواسعة التي شهدتها محافظات عديدة، السنية منها على وجه الخصوص، التي عُرف عنها مقاطعتها التصويت مقاطعةً كاملة قبل 3 سنوات.
ــ لم تشُب عملية الاقتراع، اختراقات أمنية كبيرة، إلى حدّ أنّه يمكن تسميتها «الانتخابات الأهدأ».
ــ إذا تأكّدت النتائج الأولية، فسيكون العراقيون قد حاسبوا أداء مسؤولي مجالس محافظاتهم، بما أنّ ملامح خريطة جديدة بدأت تلوح في أفق السياسة العراقية ما بعد 31 كانون الثاني الماضي، بطلها سيكون رئيس الحكومة نوري المالكي، الذي يبدو أنه خطف حصة الأسد من مقاعد المحافظات الشيعية، على حساب خسارة تبدو كاسحة بحق الأحزاب الدينية، في مقدمتها «المجلس الإسلامي الأعلى»، والتيار الصدري الذي فضّل عدم خوض الانتخابات مباشرة.
وعلى الساحة السنية، يرجّح أن يكون «الحزب الإسلامي»، أكبر أحزاب العرب السنة المشاركين في العملية التي يديرها الاحتلال، في مقدمة الخاسرين، لمصلحة «العلماني» رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي، والعشائر، أكانت منتظمة في أطر «الصحوات»، أم مستقلّة وتعمل تحت غطائها العشائري البحت.
ووفقاً للنتائج الأولية غير الرسمية، تتصدر لوائح المالكي «دولة القانون»، في 6 محافظات جنوبية، لكنها حلّت ثانية في محافظة كربلاء. بذلك، قد يخسر «المجلس الأعلى» 6 محافظات من أصل 7 كان يمتلك الغالبية في مجالسها، لمصلحة قائمة المالكي. كذلك تؤشّر النتائج الأولية، إلى ترجيح خسارة التيار الصدري في عقر داره في محافظة ميسان، لمصلحة لائحة المالكي أيضاً.
وفي مناطق العرب السنة، سجّلت العشائر قفزة كبيرة، وخصوصاً في الأنبار على حساب «الإسلامي». كما يمكن أن يخسر الأكراد سيطرتهم على نينوى لمصلحة قائمة «الحدباء» المكوّنة بدورها من تحالف عشائري. أما قائمة «العراقية»، بزعامة علاوي، فإنها حقّقت تقدماً على حساب الحزب الإسلامي.
وكانت بلاد الرافدين قد تحوّلت إلى ما يشبه ثكنة، وسط إقفال الحدود، ومنع التجوال وتوقّف العمل في المطارات وانتشار حواجز التفتيش. وبالفعل، لم تعكّر الأحداث الطفيفة من صفو «العرس الانتخابي».
ومن أصل نحو 15 مليون ناخب، صوّت تقريباً 7 ملايين ونصف مليون منهم، ما يجعل من نسبة الاقتراع تتخطى الـ 51 في المئة. والنسبة الإجمالية للمشاركة في انتخابات المحافظات عام 2005، لم تتجاوز 55.7 في المئة. لكن إذا استثنينا محافظات إقليم كردستان وكركوك، فستكون نسبة تصويت عام 2005، بحدود 49.8 في المئة.
واللافت أنّ محافظة صلاح الدين، التي تسكنها غالبية عربية سنية عُرفت بمقاطعتها جميع دورات الانتخابات والاستفتاء السابقة، سجّلت النسبة الأعلى من حيث المشاركة، 65 في المئة (كانت 15 في الانتخابات الماضية). أما الأنبار (أكبر محافظة عراقية ذات غالبية سنية)، فقد عرفت مشاركة 40 في المئة من ناخبيها، وهي التي سجّلت نسبة أقل من 1 في المئة في 2005.
وبينما توصَف محافظة نينوى، بأنها «معقل» تنظيم «القاعدة»، فقد شارك 60 في المئة من ناخبيها، مقارنةً بـ 14 في المئة في 2005.
وإضافةً إلى الأهمية التي تكتسبها هذه الانتخابات المحلية، لكونها نُظّمت قبل 10 أشهر من موعد الانتخابات النيابية، فإنّ قيمتها تنبع من أن قانون اللامركزية يعطي مجالس المحافظات صلاحيات واسعة. ونظراً لهذه الصلاحيات، خصّصت الحكومة مبلغ 2.4 مليار دولار لها ضمن موازنة عام 2009.
وبعد انتهاء التصويت، رأى المالكي أن الانتخابات مثّلت «نصراً» تحقق «من خلال الكثافة في المشاركة ومن خلال الضبط الكبير لسير العملية الانتخابية».
وتسابق الحكّام الغربيون، أمس، على تهنئة العراقيين. فقد أشاد الرئيس الأميركي باراك أوباما بالانتخابات التي رأى أنها «خطوة للأمام في اتجاه تولّي العراقيين المسؤولية عن مستقبلهم».
بدوره، أعلن وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، أن الانتخابات «تمثل خطوة إلى الإمام على طريق تحقيق الاستقرار في هذا البلد». وانضم رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون إلى لائحة المهنّئين بـ«شجاعة العراقيين الذين تحدوا خطر الترهيب». أما فرنسا، فقد رحبت أيضاً بـ «حسن سير» الانتخابات.


الزيدي يقترع ونصب حذائه يُزال

كشف مصدر قضائي عراقي، أول من أمس، أنّ الصحافي منتظر الزيدي، الذي رشق الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بحذائه، أدلى بصوته في انتخابات مجالس المحافظات، خلال التصويت الخاص بالسجناء والعناصر الأمنية ونزلاء المستشفيات وموظفيها يوم الأربعاء الماضي.
وقال مصدر في المحكمة الجنائية العليا إن «منتظر الزيدي أدلى بصوته خلال التصويت الخاص الأربعاء». وأكد عدم معرفة القائمة التي انتخبها الزيدي، «لأنّ التصويت جرى بطريقة سرية»، علماً أنه من المعروف أن الزيدي شيوعي الانتماء ولو أنه غير منتسب إلى الحزب الشيوعي العراقي بقيادته الحالية الموالية للاحتلال.
وأضاف المصدر نفسه إنه «لا يمكن أن نسأل أحداً عن القائمة لأن ذلك قد يعدّ ضغوطاً تمارس عليه».
وفي السياق، أعلنت منظمة «الطفولة» في تكريت، مسقط رأس الرئيس الراحل صدام حسين، أنّها أزالت تمثالاً لحذاء الزيدي، تنفيذاً لأوامر محافظة صلاح الدين.
وقالت مديرة المنظمة، شاهة الجبوري، «أزلنا التمثال بعدما تلقّينا أوامر بذلك من محافظة صلاح الدين». والتمثال البرونزي صنعه ليث العامري بعرض مترين ونصف متر، وارتفاع ثلاثة أمتار، وتنبت منه شجرة خضراء وقد دشّن قبل يومين، وكان موضوعاً في حديقة مقر منظمة «الطفولة».
وقد أشاد نحو 400 شخص شاركوا في التدشين، بالزيدي، ورأوا أن ما فعله «ثأر للعراقيين من المجازر التي ارتكبها الاحتلال الأميركي».
(أ ف ب)