تركيا مقفلة أمام القوات الأميركية إذا كانت مهمتها احتلال العراق، لكنها مفتوحة أمامها إذا كانت منسحبة. هكذا يمكن تلخيص المعلومات التي تؤكّد سعي واشنطن للانسحاب عبرها
أرنست خوري
يبدو أنّ إدارة باراك أوباما دخلت فعلياً مرحلة التخطيط لانسحاب قواتها المحتلة من العراق، أكان في غضون 16 شهراً، كما يرغب الرئيس الأميركي، أو على قاعدة 23 شهراً بحسب ما يدفع نحوه جنرالات حربه، إذ بات التفكير اليوم ينصبّ على سؤال جوهري: كيف ننسحب؟
وكشفت صحيفة «توداي زمان» التركية، أمس، عن أنّ المسؤولين الأميركيين يخطّطون لانسحاب آمن عبر الأراضي التركية. ولهذه الغاية، فقد دخلت المفاوضات بين أنقرة وواشنطن مرحلة الجدّ، لترتيب التفاصيل، بما أنّ هناك غالبية تركية تبدو موافقة على الخطوة التي تحتاج بالضرورة إلى قانون يقرّه البرلمان؛ قانون لم يمرّ في الأول من آذار في عام 2003، عندما طلبت إدارة جورج بوش من الحكومة التركية فتح أجواء تركيا وأراضيها وقاعدة إنجرليك أمام قواتها الغازية لمدة 6 أشهر لاجتياح بلاد الرافدين، وسبّبت في حينها توتّراً دبلوماسيّاً بين الحليفين الاستراتيجيين.
وبحسب الصحيفة نفسها، فإنّ المفاوضات توضح أنّ حكّام «العدالة والتنمية» يرحّبون بالخطة الأميركية الجديدة، غير أنهم يشترطون على القيادة الأميركية تزويدهم بجدول انسحاب واضح ودقيق قبل فتح البر والجو التركيين أمام الطائرات وحاملاتها وناقلات جند الولايات المتحدة.
ووفق مصادر «توداي زمان»، فإنّ المفاوضات التركية ـــــ الأميركية، التي انطلقت قبل فترة، توصّلت إلى تفاهم على فتح حدود العراق الشمالية أمام قوات الاحتلال، ومن ثمّ يتمّ نقلها إلى محافظتي أضنة والاسكندرون. ويُشار إلى أنّ عدد القوات الأميركية التي لا تزال تحتل العراق حالياً، هو 142 ألف جندي، 30 ألفاً منهم سينقلون إلى أفغانستان تطبيقاً لخطّة أوباما في تعزيز الجبهة هناك.
وبحسب مصدر تركي مطّلع على المفاوضات الجارية، فإنّ الهدف الأساسي من المطلب الأميركي هو تأمين «انسحاب آمن»، بأقل خسائر ممكنة في الأرواح، بما أنّ المناطق العراقيّة الشماليّة هي الأكثر استقراراً في بلاد الرافدين.
وفي السياق، فإنّ المفاوضين الأتراك يحاولون، خلال المباحثات، إقناع نظرائهم الأميركيين بضرورة أن يكون الانسحاب تدريجياً «لأنّ استقرار الوضع الأمني في العراق، لا يزال غير مكتمل الشروط».
ورأى النائب عن «العدالة والتنمية» الحاكم، رئيس اللجنة النيابية التركيّة ـــــ الأطلسية وحيد إردم، أنّ الولايات المتحدة لا تملك خيارات بديلة عن الانسحاب عبر الأراضي التركية.
وأكّد كل من إردم ونائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم، نهاد إرغن، والنائب عن حزب الحركة القومية التركية، كرشات أتيلغان، وجود حاجة إلى قانون يقره البرلمان للسماح لقوات أجنبية باستخدام الأراضي التركية.
وعن تفاصيل سيناريو الانسحاب عبر تركيا، قال أتيلغان إنّ خيار بلاده يسمح للأميركيين بالخروج من العراق وظهرهم مضمون من قبل تركيا. غير أنّه شدّد على ضرورة ألا ينصّ قانون البرلمان التركي على الالتزام بحماية إقليم كردستان العراق خلال الانسحاب الأميركي.
في المقابل، يبقى الإجماع على السماح بالانسحاب الأميركي عبر الأراضي التركية، بعيداً عن إجماع الطيف السياسي التركي. فقد نقل حزبا «الشعب الجمهوري» المعارض، و«المجتمع الديموقراطي» (الكردي)، معارضتهما الشديدة لإقرار مثل هذا القانون، انسجاماً مع رفضهما لقانون 1 آذار 2003، لأنّ من شأن ذلك «خلق اضطرابات في تركيا».


تنصّ المادة 96 من الدستور التركي، على أن ينال مشروع قانون يسمح بانتشار قوات أجنبية على الأراضي التركية، على الغالبية المطلقة من أصوات النواب. غالبية لم ينلها مشروع قانون الأول من آذار 2003 الذي تقدّم به الحزب الحاكم بدعم من رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان (الصورة)