لم يعد مزارعو البقاع الشمالي يتحمّلون تحكّم التجّار بالمحاصيل وبأسعارها، فبادروا إلى زراعة الزيتون للتحكّم بتصريفها في الأسواق
البقاع ــ رامح حمية
«بعدما تخلّوا عن دوالي كرومهم وأشجار بساتينهم لتجار الحطب بسبب الخسائر المتلاحقة، وحتى لا تبقى الأرض بوراً، ولا نُلدغ من الجحر مرتين، كان لا بد من زراعةٍ تبعد عنهم الخسائر وتبعدهم عن تحكّم التجار واستغلالهم». بهذه الكلمات فسّر علي شدّاد الخطوة التي أقدم عليها مع عدد من مزارعي البقاع الشمالي، المتمثّلة بغرس نصوب الزيتون «الغضة» في بساتينهم وكرومهم، فقد قرروا التنازل عن زراعة العنب لمصلحة الزيتون «منعاً لاحتكار التجار وتحكّمهم بهم».
وبحسب شداد، فإن «أشجار الزيتون معمّرة، وأثبتت على مرّ السنوات الماضية نجاحها في المنطقة» إلا أن ما هو أهم بشأن هذه الزراعة هو أن «التاجر لا يستغل ضيق الوقت وعامل الطقس حتى يحرق أسعار المحاصيل، أي حتى يحصل عليها بسعر أقل من الكلفة أو يوازيها»، مشيراً إلى أنه قبل اقتلاع دوالي كرمه، وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، تعرّض لخسائر كبيرة، وهو يتساءل: «كيف لا أتخلّى عن زراعة العنب فيما سعر الشرحة الواحدة (10 كيلو) انخفض إلى 3 آلاف ليرة، فيما يباع الكيلوغرام الواحد للمستهلك بما لا تقل قيمته عن 2500 ليرة؟!».
هذا الواقع الذي تعرض له مزارعو البقاع كبّدهم خسائر متلاحقة ومتراكمة، إذ تُضاف إليها عوامل الطبيعة وتحكّم السياسة بالروزنامة الزراعية ومواعيدها، ما دفعهم إلى تفتيش جديّ عن زراعات جديدة في المنطقة تخرج عن نطاق ما هو متداول وموجود بكثرة، والولوج إلى أخرى «لا يحشرهم» فيها تاجر بعوامل طقس أو بإغراق الأسواق. ففي البقاع الشمالي، أشجار الزيتون هي من الأشجار القليلة العدد إذا ما قورنت بالبقاع الغربي، وإزاء نجاح هذه الزراعة لمن أقدم على الخطوة سابقاً، تشهد منطقة غرب بعلبك حالياً نسبة إقبال لافتة على غرس نصوب الزيتون التي تتناسب وارتفاعها عن سطح البحر.
إذاً، أنهى المزارعون ترددهم وبادروا إلى زراعة الزيتون. ويقول المزارع موسى حمية إنه غرس أكثر من 500 نصبة زيتون بعد حيرة طويلة، بعدما استوردها من محافظة إدلب السورية نظراً إلى نوعية الزيتون الإدلبي من جهة، وللتوفير بالسعر من جهة ثانية، إذ إن كلفة النصبة الواحدة بلغت 6 آلاف ليرة، فيما يبلغ سعرها في لبنان 10 آلاف ليرة، موضحاً أن لجوءه إلى هذه الزراعة هو بمثابة «الهروب» من تحكّم التجار بالمزارعين لجهة الأسعار والضغط عليهم. ويلفت إلى أن التأخير عن «قلع البطاطا يؤدي إلى عفنها، وإذا تعرّض العنب للشتاء يفسد، وشتلة الدخان لا تردّ كلفة زراعتها، واللوز والكرز يتعرضان لصقيع شبه دائم».
في المقابل يرى حميّة أن الزيتون شجر معمّر «يناسبه طقس منطقتنا، وفي موسم القطاف يمكن بيعه حبوباً بأسعار جيدة، أو زيت زيتون بعد عصره والاستفادة من مخلّفات العصر، ولا يمكن التجار التحكم بسعره كما يفعلون بالنسبة إلى زراعات أخرى، إذ يمكن انتظار السوق وتخزينه للأعوام المقبلة، وفي أسوأ الأحوال يمكن استهلاكه من العائلة والأقارب».
ودليلاً على هذه الحركة الزراعية، يقول عقيل شداد (صاحب «برّامة» للحفر) إنه عمل في الأيام الماضية على غرس أكثر من 100 دونم زيتون في بلدتي طاريا وحدث بعلبك، ويؤكد أن مزارعاً واحداً في بلدة بيت شاما نصب 900 نصبة زيتون في بستانه. وفي السعيدة نصب أحد أبناء البلدة ما يقارب 600 نصبة زيتون أيضاً. وقد باع أحد أصحاب المشاتل في البقاع، حتى اليوم، أكثر من 50 ألف نصبة زيتون لمزارعي البقاع ومن أنواع مختلفة وبأسعار تبدأ من 2500 ليرة وصولاً إلى عشرة آلاف ليرة، وذلك بحسب قياساتها.


245

يمكن بيع الزيتون حبوباً أو زيتاً، فضلاً عن إمكان تخزينه ولا يمكن للتجار التحكم بسعره