محمد زبيبفي 15 كانون الثاني الماضي، نشر ديفيد شينكر، (وهو مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وعمل بين عامي 2002 و2006 في مكتب وزير الدفاع الأميركي مساعداً أعلى في سياسة البنتاغون الخاصة بدول المشرق العربي، ومدير قسم سوريا ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية)، مقالاً يصف فيه لبنان بأنه «الأمة» الوحيدة في الشرق الأوسط التي تزدهر في ظل الأزمة المالية العالمية... ولكنه لم يجد دليلاً على ذلك سوى ما شاهده في خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، حيث «كانت الحانات والمقاهي تعجّ بالرواد»!
طبعاً، يدرك شينكر أن حانات واشنطن ومقاهيها لم تخلو من روادها، على الرغم من أن الأزمة انطلقت من هناك وتطايرت شظاياها لتصيب العالم كلّه، فالرجل ليس ساذجاً إلى هذا الحد، وهو يعلم أن قلّة من الناس الذين يمتلكون قدرات استهلاكية لن تتوقف عن احتساء كأس من النبيذ أو ارتشاف كوب من القهوة أو تناول وجبة طعام... فهذا ليس مؤشّراً اقتصادياً يعتدّ به في أي حال من الأحوال، وخاصةً في بلد كلبنان، حيث يتمتع 800 ألف فرد فقط بنصف فاتورة الاستهلاك الباهظة على المستوى الوطني، فيما مليونا فرد لا تكفيهم مداخيلهم للإنفاق على حاجاتهم الاستهلاكية الأساسية.
ما يحاول أن يقوله شينكر مسألة أخرى، مسألة لا تمتّ بصلة إلى ما سمّاه «القصّة المميزة للاقتصاد اللبناني»، فهو إذ يتحدّث عن بقاء لبنان بمنأى عن الأزمة العالمية، يمرّر مفاضلة أمام القرّاء بين نموذج «الازدهار» ونموذج «المقاومة»، وذلك عبر مقارنة واضحة في المقال بين «مكانة رياض سلامة الرفيعة في لبنان والمنطقة ومكانة حسن نصر الله الذي يدّعي الشهرة لمحاربته الجيش الإسرائيلي في حرب صيف عام 2006، التي وصلت إلى طريق مسدود وكلفت لبنان قرابة أربعة مليارات دولار»... فيخلص للقول «ليس مستغرباً أن حزب الله الذي يركّز كثيراً على المقاومة ويسيطر على كتلة برلمانية مكونة من 35 مقعداً، لم يتحدث يوماً عن خطة اقتصادية... ففي حال تسلّمه السلطة بعد الانتخابات البرلمانية التي ستجري في حزيران 2009، قد تميل الميليشيات الشيعية إلى تبنّى سياسات اقتصادية مدمرة مستمدة من سلطاتها الدينية في جمهورية إيران الإسلامية».
كان يمكن أن يكون هذا المقال رأياً عابراً كالكثير من المقالات والآراء التي تُنشر هناك، ولكن ما يثير فيه أنه يتماثل تماماً مع كلام يُقال هنا عشية الانتخابات النيابية، وبعضه قيل من على منبر إحياء ذكرى رفيق الحريري في 14 شباط!