سوريا في نهاية عام 2008 ليست سوريا في بدايته. انتهت سياسة العزل الدولية التي حاولت الولايات المتحدة فرضها بشتى الوسائل، وتمكنت دمشق من استعادة غالبية أوراق قوتها التي عملت إدارة الرئيس جورج بوش على انتزاعها واحدة تلو الأخرى، بتأييد أوروبي وعربي
دمشق ـ سعاد مكرم
يمكن القول إن التخبط الأميركي في العراق، وفشل مشروع واشنطن في المنطقة، عاد على سوريا بنجاحات غير متوقعة على صعيد «فك الحصار». فسياسة النَّفَس الطويل التي اعتمدتها في التعامل مع الأزمات المتتابعة، كانت ناجعة لجهة كسب لعبة الوقت.
أسهمت أحداث 7 أيار في لبنان، في فتح الباب واسعاً للذهاب إلى قطر والتوصل إلى اتفاق الدوحة، الذي كان بمثابة المفتاح السري لبوابة الانفتاح الفرنسي والأوروبي على سوريا. وأنهت فرنسا نيكولا ساركوزي، حقبة جاك شيراك المعادية لدمشق، وفتحت صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين لا تعكِّر صفوها الأزمة اللبنانية. وأبعد من ذلك، كافأت باريس دمشق، وطلبت منها أن تؤدي دوراً إيجابياً في الحوار مع إيران بخصوص ملفها النووي. وترى الأوساط السياسية السورية أن «المشروع الأميركي في المنطقة أثبت فشله، وبالتالي سقطت سياسة الحصار وعزل سوريا، بدليل أن دمشق استعادت علاقاتها الدولية».
وقبل مؤتمر الدوحة، كسبت سوريا جولة على ساحة التجاذبات مع حلفاء أميركا، وتمكنت من عقد القمة العربية في مكانها وزمانها المحددين في آذار الماضي في دمشق، رغم المحاولات السعودية والمصرية لتأجيلها أو تغيير مكانها.
وفي الملف العراقي، تعاونت سوريا مع الحكومة العراقية في التنسيق الأمني ضد الإرهاب، مع دأبها على إعلان موقفها الداعي إلى إنهاء الاحتلال الأميركي. ودعمت سياستها في بلاد الرافدين من خلال التقارب مع تركيا، باعتبارها دولة إقليمية لا يمكن تجاوزها.
ويمكن اعتبار الخطوة الأبرز على صعيد السلام في الشرق الأوسط، هي تفويض سوريا إلى تركيا أداء دور الوسيط في عملية المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل.
ولا شك أن جدية هذه المفاوضات، أسهمت في دفع الأوروبيين للانفتاح على دمشق، في الوقت الضائع الذي سبق الانتخابات الأميركية. وأكد وزير الخارجية البريطانية ديفيد ميليباند، خلال زيارته دمشق، «دور سوريا الأساسي في عملية السلام»، معلناً أن «العام المقبل سيكون عام العمل من أجل السلام».
كلام ميليباند والانفتاح البريطاني على دمشق، الذي تأخر إعلانه قرابة عام كامل، يكتسب أهميته لكون «الطريق إلى بريطانيا هي نصف الطريق إلى أميركا»، بحسب الرؤية السورية. فدمشق تصر على رعاية أميركية لاتفاق سلام مع إسرائيل. إلاّ أن جورج بوش استمر في تصعيد التوتر في علاقته مع سوريا، الذي بلغ ذروته في 27 تشرين الثاني لدى شنّ مروحيات أميركية غارةً على مزرعة السكرية داخل الأراضي السورية في منطقة البوكمال، على الحدود مع العراق، راح ضحيتها تسعة من العمال المدنيين. الغارة جاءت مفاجئة. وجاء الرد السوري بقرار إغلاق المدرسة والمركز الثقافي الأميركيين في دمشق.
ولم يكتف بوش بذلك، بل أصر على فتح الملف النووي السوري في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فبذلت واشنطن مساعي حثيثة لدى الوكالة، للبدء بتحقيق رسمي حول موقع «الكبر» في محافظة دير الزور الذي سبق وتعرض لقصف إسرائيلي.
ومع أنه يمكن القول إنه في نهاية عام 2008، تمكنت سوريا من اجتياز المرحلة الأصعب على صعيد السياسة الخارجية، إلا أن استحقاقاً آخر على الصعيد المحلي والإقليمي لا يزال قائماً، يتمثل في مواجهة المجموعات الإرهابية. وشهد عام 2008 وقوع عدة أحداث أمنية خطيرة، بدأت في شباط باغتيال القائد العسكري في حزب الله عماد مغنية في حي كفرسوسة بدمشق، واغتيال العميد في الجيش السوري محمد سليمان، في مدينة طرطوس مطلع شهر آب. وسبق ذلك أنباء عن حصول اشتباكات عنيفة داخل سجن صيدنايا القريب من العاصمة، بداية شهر تموز. ولم ينته شهر أيلول، حتى وقعت عملية إرهابية جنوب دمشق، كانت الأسوأ منذ الثمانينيات، وراح ضحيتها 17 مدنياً، وأصيب أكثر من ستين آخرين. إلا أن إقفال عام 2008 على حدث جلل بحجم ما يجري في غزة، لا بد أن يُلقي بظلاله على مجريات أحداث العام المقبل، لذلك تنتظر الأوساط السياسية السورية ما سيؤدي إليه هذا الحدث.