strong>استغلت الحكومة الانشغال التام بالمذابح التي ترتكبها إسرائيل في غزّة، وعمدت إلى إمرار قرار في جلستها الأخيرة يقضي بتثبيت سعر صفيحة البنزين مهما بلغ انخفاضه عالمياً، وذلك بهدف تأمين رسوم بـ 800 مليون دولار عام 2009
اتّخذت الحكومة قراراً جديداً يقضي بالاستمرار في تثبيت سعر صفيحة البنزين (22800 ليرة 95 أوكتان و23500 ليرة 98 أوكتان) حتى ولو تجاوزت قيمة الرسوم التي تجبيها عن كل صفيحة سقف الـ10 آلاف ليرة الذي استهدفته سابقاً، وجاء هذا القرار المفاجئ بعدما وصلت قيمة الرسوم فعلاً إلى 9870 ليرة في هذا الأسبوع، تضاف إليها 2073 ليرة كضريبة على القيمة المضافة، أي ما مجموعه 11943 ليرة، وهو ما يمثّل 52.38 في المئة من سعر الصفيحة الذي يسدّده المستهلك.
وقالت مصادر معنية إن قرار الحكومة الجديد جاء في ضوء التقارير التي تفيد باحتمال مواصلة المنحى التراجعي للأسعار العالمية، ما يمنح الحكومة الفرصة لجباية حوالى 800 مليون دولار سنوياً من رسوم البنزين، بمعدّل 900 دولار عن كل سيارة موجودة فعلياً.
ولم يتحفّظ أي طرف مشارك في الحكومة على القرار الجديد، علماً أن الاتفاق السابق كان يقضي بأن يُثبّت سعر الصفيحة للوصول إلى مستوى للرسوم (من دون الضريبة) يبلغ 10 آلاف ليرة عن كل صفيحة ليتحرّك السعر بعد ذلك تبعاً لحركته في الأسواق الخارجية، إلّا أن الصمت المريب الذي أحاط بهذا الاتفاق شجّع الحكومة على اتخاذ قرارها الجديد، ولا سيما أن الأوضاع الحالية لا تسمح بأي تحرّكات لإجهاضه.
وقالت مصادر وزارية لـ«الأخبار» إن قرار الاستمرار في تثبيت سعر الصفيحة جاء بناءً على اقتراح من رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، بذريعة «تمويل زيادة أجور موظفي القطاع العام، وتعويضات حرب تموز»! وأشارت المصادر إلى أن أحداً لم يعترض أو يتحفّظ، ما عدا وزير الطاقة والمياه آلان طابوريان، الذي طالب بتحقيق بعض التوازن من خلال اتخاذ قرار مواز يقضي بإلغاء الضريبة على القيمة المضافة عن مادة المازوت، إلا أن الرئيس السنيورة رفض هذا الربط، ودعا الوزير طابوريان إلى إعداد مشروع مرسوم ليصار إلى دراسته في الحكومة لاحقاً!
ويأتي هذا القرار «العداوني» بالتزامن مع تقنين شديد بالتيار الكهربائي يلفّ جميع المناطق اللبنانية، إضافة إلى انقطاع مادة المازوت في معظم المناطق، كذلك في ظل عاصفة حطت رحالها في لبنان منذ نحو أسبوع!
ولفت طابوريان إلى أن العطل الفني الموجود في معمل الزهراني يخفض كمية إنتاج المعمل حوالى 15 في المئة، ما يؤثر في جميع المناطق اللبنانية بزيادة التقنين نحو ثلاث ساعات يومياً، لافتاً إلى أن الشركة الكورية المولجة تشغيل المعمل أفادت أن إصلاح العطل سيجري يوم الأحد كحد أقصى.
ولكن التقنين يصل في بعض المناطق إلى 18 ساعة؟ يجيب طابوريان بإمكان وجود أعطال على الشبكة بسبب العاصفة، لافتاً إلى أن الفرق الفنية باشرت عمليات إصلاح الأعطال لإعادة التيار إلى وضعه الطبيعي.
أما انقطاع المازوت، فهو مستمر منذ حوالى أسبوع، وأفاد مراسلنا في بنت جبيل داني الأمين أن البحث عن مادة المازوت، هو الشغل الشاغل لأبناء منطقة بنت جبيل، بعدما ازداد الطلب على هذه المادة بسبب برودة الطقس، وتدنّي نسبة تمويل محطات الوقود بالمازوت، ما أدى إلى انقطاع وسيلة التدفئة، شبه الوحيدة، انقطاعاً كاملاً عن كثير من القرى والبلدات في القضاء، فاضطرّ البعض إلى استبدال مدافئ المازوت بمدافئ الحطب، رغم ارتفاع ثمن نقلة الحطب هذه الأيام، إذ تقول منى يعقوب، من بلدة حولا «سعر نقلة الحطب الصغيرة حوالى 300 دولار، وهي لا تكفي الحاجة اللّازمة خلال موسم الشتاء، ما جعل الأهالي يعمدون إلى شراء نقلتين أو أكثر من الحطب، وهذا مرهق جدّاً لأصحاب الدخل المحدود». ويعرب محمد، الذي يعمل في «محطة وزنة للمحروقات» في بلدة تبنين، عن أسفه البالغ لعدم استطاعة المحطة تمويل الأهالي بالمازوت، فيقول «تدنّي أسعار المازوت اللبناني نسبةً إلى المازوت السوري المهرّب، أدى إلى عدم وصول المازوت المهرّب إلى الأسواق، في ظلّ عدم قدرة المازوت اللبناني على تلبية الحاجة المطلوبة في السوق».
أما مراسل «الأخبار» في البقاع، رامح حمية، فأشار إلى أنه بعد تراكم الثلوج في البقاع خلال اليومين الماضيين وبدء موجة الصقيع من بعده نتيجة تدني درجات الحرارة، وفي ظل استمرار أزمة فقدان مازوت التدفئة من المحطات البقاعية، كان لا بد من رفض الاستسلام لندرة الدعم «حتى ما يتمقطع فينا حدا»، فقد سارع العديد من البقاعيين إلى شراء الحطب وبحسب القدرة المالية، فـ«طن» من حطب العنب بسعر 100 دولار يكفي فترة شهر تقريباً في بعض القرى، تؤمّن الدفء إلى حين توافر مادة المازوت. وقال علي المستراح إن البقاع محاصر كما غزة. متسائلاً: «لقد مرّ شهر على دعم مادة المازوت الأحمر وحتى اليوم لم نستفد إطلاقاً من الدعم نتيجة انقطاع المادة من المحطات البقاعية؟»، ألا يكفينا تقنين الكهرباء ليُضاف إليه تقنين في التدفئة؟!.
بدوره لم يجد علي حمية مفراً من شراء وجاق حطب بعدما شارف برميلا المازوت اللذان اشتراهما في الصيف بسعر 34 ألف ليرة على الانتهاء، وقد أشار إلى أنه اشترى 2 طن من حطب الدوالي بقيمة 300 ألف ليرة، وذلك بعدما شقي منذ شهر تقريباً في التفتيش عن مادة المازوت، قائلاً: «شو بضل بفتل من محطة لمحطة وحامل بإيدي غالون!، ليش بعد في أكثر من هيك إهمال من الدولة!؟».
(الأخبار)