مقوّمات نقديّة وماليّة واقتصاديّة غير متوافرة
محمد وهبة
أعلن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، في أكثر من تصريح إعلامي، أن لبنان سيطرح مشروع العملة العربية الموحّدة في القمة الاقتصادية والاجتماعية التي ستنعقد في الكويت يومي 19 الجاري و20 منه، وهو ما أثار استغراب أكثر من خبير ومراقب، إذ إن هذا الاقتراح، رغم أنه يمثّل حلماً عربياً، إلا أن تنفيذه مستحيل في ظل فشل الحكومات العربية في الاتفاق على ما هو أبسط من ذلك بكثير، ولا سيما على صعيد إقامة منطقة تجارة حرة، وهي الشكل البدائي جداً للسوق الاقتصادية المشتركة. وقال خبراء استطلعت «الأخبار» مواقفهم، إن هذا الاقتراح يتطلب إجراءات «توحيدية» على مستويات كثيرة بين الدول العربية تمتد إلى عقود، وتتوّج بتوحيد كل العناصر، ابتداءً من التشريعات والحدود والأسواق... وجميعها تتطلب توافقاً سياسياً عربياً غير متوافر.

مقومات غير متوافرة

ويصف الخبير الاقتصادي والمالي حسن خليل هذا الاقتراح بأنه غير منطقي، وقال: «لا أعتقد أن الحاكم يقصد الأمر، لأنه أدرى من غالبية الملوك والحكام العرب بأن هذا الأمر مستحيل، وهو يعلم أن توحيد العملة الخليجية قد أقرّ ولم ينفّذ بعد».
ويشير خليل إلى أن توحيد عملة أي مجموعة، يتطلب مقوّمات ماليّة ــ نقديّة ــ اقتصاديّة غير موجودة على المستوى العربي، عارضاً تجربة توحيد العملة الأوروبية حين أقرّت اتفاقية «ماستريخت» التي حددت مؤهلات مالية يجب أن تتقيد بها كل دولة قبل قبولها في المجموعة النقديّة الموحّدة وهي كالآتي: «ألا يتجاوز عجز الموازنة السنوي 3 في المئة من الناتج القومي، وألا يتجاوز الدين العام الاجمالي لأي دولة عضو 55 في المئة». وبالتالي فإن لبنان على الأقل خارج هذه المعادلة، فبحسب خليل، تفيد الأرقام المعلنة لمالية لبنان باستحالة الأمر، فضلاً عن أن «توحيد عملة مجموعة معينة يتطلب تناسقاً بين هذه الدول على مستوى طبيعة النظام وماهية الاقتصاد، فبالنسبة إلى الدول العربية، هناك مجموعة يمثّل النفط 90 في المئة من إيراداتها، وهي دول تحكمها عائلات مالكة لا يمكن فيها ضبط الميزانيات التي قد تكون على مزاجية الحاكم. في المقابل، هناك دول ذات نظام اشتراكي، ودول ذات نظام شبه اشتراكي، فيما هناك دول ذات طبيعة تعتمد على اقتصاد السوق، ما يطرح أسئلة عن إمكان طرح هذا الاقتراح».

تجارب غير مشجعة

وفي السياق نفسه، يرى عميد كلية الاقتصاد والتجارة في جامعة سيدة اللويزة، إيلي يشوعي، أن تجارب الدول العربيّة للتكامل لم تكن مشجّعة على مختلف الصعد. لذلك يرى أن طرح سلامة هو «بالمقلوب»، فهو قد بدأ من النتيجة، لا من الأرضية التي يفترض تحضيرها لهذا الطرح الذي «لن يعطيه أحد في القمة أي أهمية. فهناك على المستوى العربي بنود أهم وذات أولوية، ولا سيما أن محور الأزمة المالية العالمية وتداعياتها الاقتصادية عربياً ستكون أساس أي طرح، فالدول العربية تبحث عن كيفية تجاوز هذه التداعيات ومساعدة اقتصاداتها على الصمود».
وعلى مستوى توقيت الطرح، يشير يشوعي إلى أن الوقت غير مناسب لهذه الطروحات، وهناك خطأ بالمضمون والتراتبية المطلوبة له، لافتاً إلى أن أبرز الأمور الأساسية للتحضير للوحدة العربية، هو البدء بالوحدة الجماركية وإرساء حرية انتقال البضائع وإزالة العوائق أمامها وتوحيد التعرفات الجمركية العربية تجاه العالم الخارجي. كذلك وجود وحدة تشريعية ــ ضريبية ــ نقدية ووحدة في الأسواق وحرية انتقال الأشخاص رؤوس الأموال وحرية العمالة... ثم تتوج هذه الوحدة بكل تفرعاتها في توحيد العملة.

«الشاعر والحالم»

ووصف وزير المال الأسبق، إلياس سابا، سلامة بـ«الشاعر والحالم»، ووصف كلامه على توحيد العملة العربية بـ«كلام خمسينيات، فالحلم جميل ولا يضرّ أن نستمرّ في الحلم!»، سائلاً: «إذا كان العرب غير متفقين على قمة من أجل موقف موحّد تجاه العدوان الإسرائيلي على غزّة، فهل يتفقون على توحيد العملة؟ وكيف توحّد العملة قبل توحيد السياسات المالية والنقدية؟ ومن يكون على استعداد للقيام بهذا الأمر؟»، ويجيب: «هذا كلام شعر وإنشاء».
ويقترح سابا أن يحضّر العرب «ورقة متفقاً عليها لطرحها في اجتماعات مجموعة الدول العشرين الكبرى، حتى يكون لديهم ورقة موحّدة تقدم كاقتراح لإصلاحات اقتصادية عالمية، فالعرب يمثلون قوة اقتصادية كبرى، فيما هم مهمشون كثيراً، وهم دافعو الفواتير الأكبر في العالم».