لم تفعل اجتماعات وزراء الخارجية العرب قبل أيام سوى إدخال عقد جديدة على العلاقات المصرية ــ السورية، انعكست تصعيداً مصرياً سياسياً وإعلامياً غير مسبوقين على خلفية ملفين قديمين: لبنان وفلسطين
القاهرة ــ الأخبار
ظل الهاتف المحمول للسفير السوري لدى القاهرة ولدى الجامعة العربية يوسف أحمد، يرن طيلة نهار أمس من دون أن يجيب، في ما اعتُبر استمراراً لحالة الغموض التي اكتنفت مصير الرجل الذي يتردّد أنّ حكومة بلاده قد استدعته إلى دمشق «للتشاور» بعد اندلاع أزمة سياسية جديدة بين القاهرة ودمشق.
البحث عن يوسف بات «مهمة خاصّة» بالنسبة إلى بعض الإعلاميين الذين أجروا سلسلة من الاتصالات الهاتفية المكثفة من دون جدوى، مع كل من لديه صلة بالسفير السوري الذي اختفى عن الأنظار، فيما أكّد مساعدوه أنه خارج القاهرة ويمضي إجازة عاديّة.
غياب السفير السوري هو في الحقيقة تعبير عن وجود أزمة في العلاقات المصرية ــ السورية، بعدما خاض مسؤولو البلدين ملاسنات إعلامية علنية على خلفية تباين وجهات النظر بينهما في ما يخص ملف العلاقات مع لبنان والمصالحة الفلسطينية.
أزمة القاهرة ــ دمشق تداخلت فيها محاور كثيرة؛ فهي من جهة، تعبير عن أزمة ثقة طارئة بين الطرفين، وخاصة بعد إعلان رئيس كتلة «المستقبل» النيابية النائب سعد الحريري، عقب اجتماعه في القاهرة الأسبوع الماضي مع الرئيس المصري حسنى مبارك، أن الأخير أبلغه أن «أمن لبنان هو من أمن مصر».
كما كشف الحريري النقاب، للمرة الأولى في الزيارة نفسها، عن أن مصر «قدمت الكثير إلى الجيش اللبناني» في خلال معارك نهر البارد ضد «فتح الإسلام»، مشيراً إلى أنّ القاهرة كان لها دور أساسي في الدعم السياسي وفي ما كانت ترسله للجيش اللبناني من أسلحة وذخائر.
تصريحات الحريري أكدت لدمشق ما كانت تتخوف منه، وهو تورط عسكري مصري في الأزمة اللبنانية، وهو بالنسبة إلى القيادة السورية، نقلة نوعية في الطريقة التي باتت القاهرة تدير بها سياستها المعروفة تجاه لبنان.
التصريحات على ما يبدو لم ترق دمشق، حيث تنقل مصادر عربية عن مسؤول سوري قوله: «نحن لسنا ضدّ دعم الجيش اللبناني، ولكننا ضد محاولة حزبنته أو دفعه للوقوف في وجه طرف ضد طرف آخر».
الأزمة تبدو أيضاً وثيقة الصلة بالملف الفلسطيني، بحيث لمّحت القاهرة مراراً إلى وجود دور ايرانى ــ سوري في دفع حركة «حماس» إلى التراجع عن المشاركة في اجتماعات الحوار الوطني الفلسطيني التي ألغيت الشهر الماضي، بعدما كان مقرراً عقدها بمشاركة جميع الفصائل لرأب الصدع بين الحركة الإسلامية و«فتح» وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني.
وبدا كأن القاهرة تردّ على الدعم السوري لـ«حماس»، أو تسعى للضغط عليها عن طريق اعتقال قيادات من حركة «الإخوان» المسلمين الذين باتت مطاردتهم عملية شبه يومية واعتيادية لسلطات الأمن المصري.
وتعدّ «حماس»، بمثابة الفرع الفلسطيني لـ«الإخوان» المحظور في مصر بموجب قانون عام 1954، على الرغم من أن الجماعة لديها 205 مقاعد في البرلمان وتعدّ القوة الأكثر تنظيماً في المعارضة المصرية.
الأزمة الأخيرة بين القاهرة ودمشق بدأت باتهامات مصرية مفادها أنّ الوفد السوري الذي شارك في الاجتماع الذي عقده مجلس الجامعة العربية يوم الأربعاء الماضي في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية، قام بتسريب كلمة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى وسائل الإعلام. كلمة دعا فيها المعلم مصر إلى «الوقوف على مسافة واحدة من حركتي حماس وفتح» في الحوار الفلسطيني الذي ترعاه، في إشارة إلى انحياز القاهرة إلى «فتح». وردت مصر على دمشق باعتبار أنّ دعوة المعلم ينبغي أن توجه إلى سوريا نفسها، في تلميح إلى انحياز دمشق لـ«حماس».
ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، حسام زكي، الانتقادات السورية لمصر بأنها «مجرد مزايدات لا نقبل بها»، مضيفاً «نحن لا نتلقى دروساً من أحد ولا نتلقى من أي طرف عظات في كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية».
وفي وقت لاحق، اعترف زكي بأنّ العلاقات المصرية ــ السورية «ليست في أفضل أحوالها حالياً، ولعل الأيام تأتي بما هو إيجابي وجيد». ولمّا سئل عن إمكان عقد لقاءات ثنائية مصرية ــ سورية لإعادة الدفء إلى علاقات البلدين، أجاب زكي «نأمل أن يجري ذلك في المستقبل القريب».
وكانت صحف مقربة من الرئاسة المصرية، بينها «الجمهورية» و«الأهرام» و«روز اليوسف»، قد شنّت هجوماً عنيفاً وغير مسبوق على النظام السوري على خلفية التصريحات الأخيرة للمعلم. ووصلت حدة الانتقادات إلى اتهام سوريا بأنها «نسيت عروبتها وتقدم المنطقة على طبق من ذهب لطهران».
وأعربت بعض المقالات الحكومية عن أسفها لكون سوريا «تنسى التاريخ الحديث»، وأن ما تفعله حالياً «ليس في صالح الصراع العربي ــ الإسرائيلي، بل لصالح المصالح والأهداف الإيرانية».


سوريا تُعرقل إدانة «حماس»

رام الله ـ أحمد شاكر
ذكرت مصادر إعلامية فلسطينية، أمس، أن جلسة وزراء الخارجية العرب التي عقدت الأربعاء في القاهرة، اتسمت «بالسخونة»، إذ شهدت ملاسنات بين وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ونظيره السوري وليد المعلم من جهة، وبين الأخير ورئيس الوفد الفلسطيني صائب عريقات من جهة أخرى.
وذكرت المصادر الإعلامية المقربة من «حماس» أن «اتجاهاً تبنّته مصر والسعودية كان يقضي بتحميل الحركة الإسلامية مسؤولية فشل الحوار الذي كان مقرّراً انعقاده في القاهرة في العاشر من تشرين الثاني الماضي، وأنّ هذا الاتجاه قوبل برفض سوري أيّدته كل من قطر والسودان واليمن». وذكرت المصادر أن وزير الخارجية السوري «تمكّن من إحباط هذا التوّجه؛ حيث كانت غالبية الدول العربية تميل إلى تجنّب تحميل أيّ طرف المسؤولية حتى لا تضع نفسها في مواجهة هذا الطرف من جهة، ولإبقاء باب الوساطة في المصالحة الفلسطينية مفتوحاً من جهة أخرى».
وأشارت المصادر إلى أنّ «تمديد ولاية الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس كان النقطة الأسخن في الجلسة الوزارية العربية المشار إليها؛ حيث استغرق النقاش حول هذه النقطة أكثر من 6 ساعات، والسبب في ذلك كان التحفظ السوري على إطلاق تمديد ولاية عبّاس من دون تقييد، الأمر الذي نجح فيه وزير الخارجية السوري؛ فقد قُيّد القرار بالمصالحة وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة واستُبعدت الصيغة التي اقترحها عريقات وتبنّتها مصر والسعودية».