مصافحة شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز أثارت حرب ردود فعل في القاهرة، لكنها تبدو حرباً بالوكالة، ما دام النظام في وئام مع الأعداء
وائل عبد الفتاح
«الهرم الإسلامي الأكبر»، استخدم النائب طلعت السادات الوصف في بيان عاجل في مجلس الشعب المصري. الوصف لشيخ الأزهر المستهدف من «الأقزام العلمانيين الذين لا يدركون أنهم يحاولون هدم منارة الإسلام في الأرض وهي الأزهر الشريف». الكلام أيضاً للسادات الذي قال إن «الهجوم على شيخ الأزهر لا يرضي القيادة السياسية، وإن الرئيس (حسني) مبارك لا يقبل ضرب قلعة الدين الإسلامي في العالم».
البيان غريب، فالشيخ يتعرض حالياً لإدانات مدافع هجوم ليس مصدرها الفريق العلماني، بل فريق آخر تماماً يرى شيخ الأزهر «رمزاً إسلامياً» أهان الإسلام عندما صافح الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز على هامش مؤتمر حوار الأديان في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
المصافحة أصبحت موضوع الهجوم على الدكتور سيد طنطاوي، الذي يلقب رسمياً بـ«الأمام الأكبر» ويعامل وظيفياً بدرجة «رئيس وزراء». هجوم صحافي وبيانات في مجلس الشعب وشتائم كلها تراه اقترف جريمة بمصافحته رئيس كيان العدو الصهيوني، وإن اختلفت المطالبات بين الاعتذار والاستقالة.
كانت أكثر المطالب جدية هي فرصة إعادة النظر في طريقة اختيار شيخ الأزهر، واستبدال تعيين رئيس الجمهورية له بانتخابه من مجمع العلماء. أما الجانب الهزلي، فقد تحدث عن غسل اليدين بعد المصافحة. وهل فعلها الشيخ أم لا؟ الشيخ رأى أنّ مثيري الضجة مجانين. وحكى الحكاية من وجهة نظره. وكما قال بيان من مكتب شيخ الأزهر فإن المصافحة «جاءت عقب دعوة وجهها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لتكريم أعضاء الوفود المشاركة في مؤتمر حوار الأديان، وإن عدداً كبيراً من الحاضرين جاؤوا لمصافحة شيخ الأزهر، وكان من بينهم شمعون بيريز، وإن شيخ الأزهر قد فوجئ به أمامه، كما أنه لم يكن لديه سابق معرفة ببيريز، وإن الأمر لم يستغرق مجرد ثوانٍ».
الشيخ في تصريحات غير مكتوبة حكى القصّة بعفوية أكثر مؤكداً: «صافحته من دون أن أعرفه أو أعرف شكله». وكاد يهتف «عابرة، عابرة، عابرة» ليصِف المصافحة. ولعل أصدق ما قاله الشيخ في محاولته صد الهجوم: «هل المصافحة توقيع صكّ بيع فلسطين؟ وهل الامتناع هو الذي سيحل القضية الفلسطينية أو يعقدها؟».
سؤال رغم أنه في سياق الدفاع، فإنه يفتح الباب أمام عقلانية غائبة تضخّم «المصافحة» وتحمّلها كل الخيبات والهزائم والعجز لتساوي بينها وبين جرائم ارتُكبت طوال تاريخ ضياع فلسطين.
إنها محاولة لصناعة أدوار من فراغ؟ وتقصٍّ للبطولة في غير مكانها؟ فالشيخ موظف يعيّن بقرار من رئيس الجمهورية نفسه الذي يستقبل جميع أصناف المسؤولين الإسرائيليين، وشارك في توقيع اتفاقية كامب ديفيد. الشيخ يتبع نظاماً يرى طريقاً مخالفاً لحل الصراع مع العدو.
نائب برلماني كان متحمساًَ وهو يقول «شيخ الأزهر يتصرف على أنه موظف حكومي، فيما يعبر عن إرادة الأزهر ويرعى مكانته في العالم الإسلامي، ويجب عليه أن يعالج اعوجاج السلطة لا أن يجاريها».
مكانة الأزهر دينية لا سياسية، وشيخه موظف لا رمز في صراعات السياسة. هذه حقائق تغيب عن «حرب المصافحة». محاولة صنع دور للأزهر في ملاعب السياسة تشير إلى عجز، والأخطر هو محاولة صنع كهانة ليست موجودة في الإسلام.
الإسلام في السياسة بلا رموز. ولا مؤسسة دينية. ودخول الصراع مع إسرائيل من هذه البوابة يدغدع عواطف، ويلبي حاجة الجماهير إلى البحث عن «إبليس» لا يثير رجمه غضب الجبارين.
حرب المصافحة تمسّك بالشكليات بينما يتسرب جوهر الحرب بين أصابع عاجزة. حروب خائبة تنتهي عادة بقتل المرجوم معنوياً أو ربما فعلياً لكنها تقود الصراع كله إلى منطقة «الغرائز الأولى» لا إلى منطق صراع القوة السياسية والعسكرية.
وصناعة بطولة من موظف رسمي هي تصور واهم عن استطاعته الخروج عن سرب نظام يقيم علاقات طبيعية مع دولة «الأعداء». وفي هذا غرام بالأوهام واستراحة على وسادتها المريحة. فالمنتصرون في الحرب ضد الشيخ سيحتفلون بالانتصار ويتخيّلون أنهم اقتربوا من القدس بمجرد إجبار شيخ الأزهر على الاعتذار.
ربما كانت المطالبة بانتخاب شيخ الأزهر هي أكثر الأفكار قوة في تلك الحرب. لكن ليس بغرض تفادي مصافحات قادمة، بل لكي ينتهي عهد تبعية الأزهر للنظام السياسي الذي يستخدمه كدرع دينية ضد خصومه.
الانتخاب هو طريق لاستقلاله كهيئة بحث في الشؤون الإسلامية مهمتها تجديد الفكر الإسلامي لا أداء دور الكنيسة في العصور الوسطى.