مع انتهاء التهدئة وكثرة التهديدات الإسرائيلية، تخرج التحليلات في الصحف العبريّة لتقلّل من شأن إنذارات جيش الاحتلال الذي لا يبدو مستعدّاً للخوض في شرك قطاع غزّة، ولا سيما أن تجربة حرب لبنان الثانية لا تزال ماثلة أمامه
يديعوت أحرونوت ــ أليكس فيشمان
«حماس» تقرع طبول الحرب، وعندنا يتدثّر القادة بالبطانيات ويُصلّون لهطول المطر، لعل الطقس ينقذهم من اتخاذ القرار: ما العمل حيال سُحُب العاصفة المتكدرة فوق قطاع غزة؟ تَخوّفهم من التورط العسكري على النمط اللبناني يشلّهم، إضافة إلى الخوف من خسائر فادحة لقواتهم، مع المزيد من الضرر للردع ومع مزيد من الضرر في الصورة الدولية.
كابوس القيادة العسكرية العليا هو العنوان الرئيس في اليوم الثالث أو الرابع من العملية العسكرية في غزة. فأولئك الذين دفعوا نحو العملية سيصرخون: لماذا فعلتم هذا؟ من هو الغبي الذي أصدر الأمر؟ أما السياسيون، فلا يسارعون للوصول إلى الانتخابات حين تكون عملية عسكرية غير مكتملة، مع نتائج جزئية معلّقة على رقابهم. والأسوأ من ذلك، أن يتعرضوا للاتهام بأنهم خرجوا إلى عملية عسكرية كي يحسّنوا وضعهم في صناديق الاقتراع.
الظل الثقيل الذي خلّفته حرب لبنان والاقتراب من الانتخابات هما اللذان يمليان اليوم السلوك المتعثّر حيال غزة. لا يوجد تفسير منطقي آخر لتأجيل القرار برد عسكري مرتّب، مخطط وثابت حيال عادة إطلاق النار التي تمليها «حماس».
في نهاية الأسبوع، فهمت قيادة المؤسسة الأمنية أن القرار بأي رد عسكري خرج من أيدينا. شئنا أو أبينا، فإن «حماس» ــــ أسيرة مفهومنا الذاتي أن إسرائيل لن ترد حتى ما بعد الانتخابات ــــ جرّتنا إلى هناك. التوقيت لبدء عملية عسكرية منظمة هو الآن رهن الصدفة. يحتمل أن يكون هذا حدثاً تمليه «حماس»، مثل إصابة دقيقة لمدنيين مع خسائر. في مثل هذا الوضع لا تعود القيادة السياسية قادرة على الوقوف في وجه الضغط العام والرد سيأتي غريزياً. والردود الغريزية هي صيغة لتدهور غير مدروس: فهي تأتي بتوقيت لا تكون أنت من يختاره.
كما أنّ هناك إمكاناً لأن تقرر إسرائيل التوقيت وفقاً للصورة الاستخبارية ــــ التكتيكية أو وفقاً للصورة السياسية، الإقليمية والدولية. الصورة الاستخبارية يمكنها أن تكون مثلاً انعقاد قيادة «حماس» في اجتماع في موعد ما، ومن الجدير انتظاره لتوجيه ضربة لهم لتحقيق أثر دراماتيكي على الأرض. الصورة السياسية الإقليمية يجب أن تأخذ في الحسبان مصالح مصر والأردن وزيارات رؤساء الدول إلى المنطقة، وقرارات يجب أن تتخذ في المسألة الإيرانية. كل ذلك يمكن أن يمثّل اعتبارات مشروعة لتحديد توقيت مبادر إليه لعمل عسكري، شريطة أن يكون الأمر يتعلق بتأجيل فقط لا بتأجيل نهائي.
التمسّك بأحوال الطقس عنصراً ضرورياً لاختيار توقيت العملية ليس مدحوضاً من أساسه، ولكن من يسعى إلى الانتظار إلى أن تنشأ حالة الطقس المثالية ينبغي له أن ينتظر حتى نيسان على الأقل. كما أن المبرر لتأجيل العملية خشية أن تقطع «حماس» المفاوضات في شأن جلعاد شاليط ليس ذا صلة. ففي ظل التهدئة أيضاً، هذه المفاوضات لا تتقدم. وهناك بالطبع المبرر الدائم للجيش الذي يدّعي أنه ما دام ليس هناك «خطة خروج» من غزة، والتي ينبغي للقيادة السياسية أن توفرها، فلا مجال للدخول إلى القطاع.
حسب مفهوم الجيش، فإن عملية عسكرية جزئية أيضاً، محدودة، ترمي إلى إعادة «حماس» إلى قواعد اللعب السابقة، من شأنها أن تنزلق إلى عملية عسكرية واسعة لاحتلال كل القطاع، الأمر الذي يستدعي في كل الأحوال إعداد خطة خروج تقرر ما هي الشروط التي ترى فيها إسرائيل إنجازاً يسمح لها بالانسحاب من القطاع. هذا المبرر أيضاً يفقد مفعوله: نحن قد ننجر إلى وضع كهذا بغير إرادتنا. إذاً لعله حان الوقت لأن يعدّ أحد ما «خطة خروج».
ما يوجد لدينا في هذه الأثناء هو تنقيط متصاعد للقسام والهاون على إسرائيل، وبالمقابل استمرار التسلّح والتهريب إلى القطاع. هذا وضع سخيف. الآن ليس هناك حتى ذريعة الحفاظ على التهدئة التي كانت ورقة التين لتغطية التجاهل لهذا التعاظم.
في قيادة جهاز الأمن تحدثوا أمس بتعابير «ساعة الرمل الآخذة في النفاد»، تماماً مثلما تحدثوا هناك قبل أسبوع بتعابير الإنذار لـ«حماس»، وتماماً مثلما كانوا واثقين هناك قبل ثلاثة أسابيع بأن استمرار التهدئة هو مصلحة واضحة لـ«حماس» والاحتمال في أن تطلب إنهاءها ليس عالياً. يخيّل أن من يوجّه اليوم تصريحات السياسيين ومواقفهم في مسألة غزة هم مصمّمو الصور وخبراء الأمزجة أكثر مما هم خبراء شؤون الأمن.