انتهت مسرحية دعم المطاحن والأفران، بعد قرار اتّخذه وزير الاقتصاد محمد الصفدي، لإلغاء الدعم عن القمح فوراً على أن يقرّ في مجلس الوزراء خلال 15 يوماً، وبذلك طويت صفحة هدر المال العام الذي وصل خلال سنة وشهرين إلى 60 مليون دولار!
رشا أبو زكي
بعد سنة وشهرين من دعم القمح من الموازنة العامة، وبعد مرحلة شهدت هدراً كبيراً للمال العام وصل إلى حوالى 60 مليون دولار، عبر دعم 17 ألف طن من القمح شهرياً، منها 4 آلاف طن تفيض عن حاجة صناعة الخبز العربي المدعوم، أي ما كلفته 12 مليون دولار تمّت سرقتها بشكل سافر وموصوف... أصدر وزير الاقتصاد والتجارة، محمد الصفدي، أمس، قراراً بإلغاء الدعم عن الطحين اعتباراً من 15 تشرين الثاني الجاري. قرار الصفدي تم الإعلان عنه في الاجتماع الذي عقده مع نقيب الأفران كاظم ابراهيم ورئيس اتحاد المطاحن ارسلان سنّو وعدد من أصحاب المطاحن والأفران. وقد أشار الصفدي إلى «أن الوزارة مصممة على تأمين الخبز بنوعية جيدة وبسعر ملائم، وستُبقي أبوابها مفتوحة لمعالجة أي مشكلة تعترض قطاع صناعة الرغيف الذي تريده مزدهراً. كذلك فإن الوزارة معنيّة بالحفاظ على الأمن الغذائي وعلى وجود حدّ أدنى من احتياطيّ مادة الطحين وذلك بالتعاون مع المطاحن».

القرار ساري المفعول

وقال الصفدي لـ«الأخبار» إن أسباب اتخاذه القرار هي انخفاض السعر العالمي للقمح، وانخفاض سعر المحروقات، إضافة إلى الحفاظ على المال العام ووقف الهدر. وأشار الصفدي إلى أن الدولة أنفقت على دعم القمح حتى الآن 90 مليار ليرة (60 مليون دولار)، وأوضح أن الوزارة كانت تحصل على سلف من الخزينة لتغطية شراء القمح. وقال إن القرار أصبح ساري المفعول منذ اليوم (أمس)، إلا أنه لن يعلن رسمياً إلا بعد صدوره عن مجلس الوزراء، وبالتالي فإن الجلسة المقبلة للحكومة ستتمحور حول الموازنة، وسيدرج قرار إلغاء الدعم في جدول أعمال الجلسة التي تليها، وسيكون مفعول القرار سارياً رسمياً خلال 15 يوماً. ولفت الصفدي إلى أن الوزارة لم تتسلّم أي مبلغ من المال لشراء كميات جديدة من القمح، فقد طلبت قبل انخفاض أسعار القمح إذناً من مجلس الوزراء لاستيراد 75 ألف طن لتغطية حاجة لبنان من القمح حتى منتصف عام 2009، وذلك بسبب توقّعات كانت سائدة بأن الأسعار ستستمر في الارتفاع، إلا أنه بعد الانخفاض السريع للأسعار العالمية للقمح، «أبلغنا وزير المال بأننا لن نقوم بشراء هذه الكميات». ورأى أن عملية رفع الدعم تمت بطريقة سليمة بسبب تجاوب المطاحن والأفران مع القرار، مؤكداً ثبات سعر ربطة الخبز على 1500 ليرة، إضافة إلى بقاء زنة ربطة الخبز 1120 غراماً.

ما هي أسباب الهدر؟

أما في البحث عن أسباب الهدر الذي حصل خلال فترة الدعم، فيتبيّن الآتي: بدأت الحكومة في آب من 2007 بدعم القمح المخصّص لصناعة الرغيف حتى نهاية العام الجاري، وذلك بسبب ارتفاع أسعار القمح عالمياً، بحجّة المحافظة على سعر ربطة الخبز الرسمي وهو 1500 ليرة. وخلال الاجتماعات الأولية بين وزير الاقتصاد السابق، سامي حداد، وأصحاب الأفران والمطاحن، صرّح حداد بأن المطاحن أبلغته سابقاً أنّ 90 في المئة (27 ألف طن) من كميّة القمح التي تستوردها (30 ألف طن) تُستخدم في صناعة الخبز الأبيض، فيما يؤكّد أصحاب الأفران أن هذه النسبة هي 30 في المئة (9 آلاف طن)، فيما تنخفض في تقارير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الموثّقة إلى 20 في المئة فقط (6 آلاف طن)... وعلى الرغم من معرفته بالتلاعب الحاصل، قرر حداد ومعه الحكومة السابقة، دعم 50 في المئة من واردات المطاحن من القمح، أي دعم 15 ألف طن من القمح المستورد شهرياً! إلا أن جشع المستفيدين لم يتوقف عند هذا الفائض من القمح المدعوم، إذ زاد حداد حجم القمح المدعوم إلى 17 ألف طن شهرياً، من دون أي تبرير منطقي سوى ما قاله حداد عن ضغوط يمارسها عليه السياسيون لزيادة تنفيعات أصحاب الأفران والمطاحن المحسوبة عليهم، وقد اختصر فعلته بعبارة «بحبحة الدعم»!

هدر الدعم

وقد قال حداد إن حاجة لبنان من الطحين لتصنيع الرغيف لا تتعدّى الـ 13 ألف طن شهرياً. إلا أنه دعم بين شهر آب من العام الماضي حتى كانون الثاني من العام الجاري حوالى 15 ألف طن من القمح شهرياً، أي ما يوازي 90 ألف طن خلال الأشهر الأربعة هذه. ومن ثم رفع الدعم إلى 17 ألف طن بين شهر كانون الثاني 2008 واستمر حجم الدعم نفسه حتى تشرين الأول 2008، أي ما يوازي 153 طناً خلال الأشهر الثمانية الأخيرة، وبالتالي أصبح حجم القمح المدعوم خلال 13 شهراً هو حوالى 243 ألف طن.
إلا أنه إذا تمّ احتساب حاجة لبنان 13 ألف طن شهرياً، يكون حجم القمح المهدور بين آب 2007 وكانون الثاني الماضي 12 ألف طن، وبين شباط ونهاية تشرين الأول 2008 هو 36 ألف طن، أي ما مجموعه 48 ألف طن خلال فترة الدعم كلها. ومع إعلان الصفدي أن قيمة الدعم للقمح وصلت إلى 90 مليار ليرة أي 60 مليون دولار على دعم 243 ألف طن، وبالتالي يكون معظم هذه المبالغ قد تم هدره، فيما قيمة السرقة الموصوفة وصلت إلى 12 مليون دولار أميركي، أي أن 20 في المئة من قيمة الدعم على القمح، وذلك لمراضاة بعض المحسوبين على القوى السياسية والطائفية في الأفران والمطاحن! وبعد انتهاء «المهزلة»، من سيحاسب مرتكبي فعلة الهدر؟ وأين أجهزة الرقابة من أموال الشعب المنهوبة؟