أولويّة الموازنات منذ العام 1993 تأمين خدمة الدين العام
إن أولوية الموازنات منذ عام 1993 حتى الآن هي تأمين خدمة الدين العام، وارتكاز بنود الإنفاق على خدمة الدين انعكس تطوراً في رساميل المصارف... هذا الواقع لا ينطبق فقط على الموازنات السابقة بل يشمل بحسب رئيس مؤسسة البحوث والاستشارات كمال حمدان، موازنة عام 2009

رشا أبو زكي

1- ما علاقة موازنة عام 2009 بالسياسة الاقتصادية المتّبعة طوال السنوات الماضية؟

بدايةً أؤكد أنه لا يمكن التقليل من أهمية الإصلاحات الكبيرة في وزارة المال خلال السنوات العشر الماضية، ولكن هذا التحسّن غلب عليه الطابع التقني والموضعي، ولم يتناول السياسات الاقتصادية والاجتماعية العامة. وفي الواقع من يقرأ الأرقام العامة والتفصيلية لمشروع موازنة عام 2009، كما هي الحال في قراءته موازنات السنوات السابقة، يجد اتجاهات طويلة الأجل تتحكّم في سياسة الموازنات العامة، وأهم تعبير عن هذه الاتجاهات هو مقارنة تطوّر أهم بنود مشاريع الموازنات المتعاقبة.
فإذا اعتبرنا أن بلورة السياسات الاقتصادية بدأت عام 1993، نلاحظ أن النفقات العامة الإجمالية لموازنات الدولة ارتفعت 4،2 مضاعف (أي ارتفعت 4،2 مرّات في عام 2007 نسبةً إلى عام 1993)، بحيث كانت الزيادة من 3017 مليار ليرة عام 1993 إلى 12587 ملياراً عام 2007، ولكن عند الدخول إلى تفاصيل بنود النفقات العامة، نرى أن مضاعف الزيادة كان يتفاوت بين بند إنفاقي وآخر، إذ نرى أن أدنى الزيادات هي تلك التي سُجّلت في النفقات الاستثمارية للحكومات من داخل الموازنة التي لم ترتفع إلّا 1،42 مضاعف. وفي المرتبة الثانية، تأتي نفقات الدولة على الأجور وتكاليفها، بحيث كان مضاعف الزيادة 2،8 ضعفاً، في المقابل، وضمن بنود الإنفاق العام التفصيلية، نلحظ أن فوائد خدمة الدين العام في لبنان ارتفعت 6،3 أضعاف، وبالطبع نلحظ أن إحدى الوظائف الأساسية التي تضعها الحكومات في الموازنات العامة هي خدمة الدين العام.

2- هذا بالنسبة إلى النفقات، ماذا عن الإيرادات وخصوصاً الضريبية منها؟

لدى تلمّس بعض اتجاهات سياسات الموازنات العامة، نرى أن الواردات الضريبية تمثّل الجزء الأهم من إيرادات الدولة الإجمالية، بحيث ارتفعت في 14 عاماً من 1208 مليار ليرة إلى 5583 ملياراً، ما يعني ارتفاعها 4،6 أضعاف، وهو يتجاوز ارتفاع إجمالي النفقات العامة، ما يشير إلى ميل لاقتطاع ضريبي على الرغم من ضخامة ارتفاع الإنفاق العام، ولا سيما الإنفاق على فوائد خدمة الدين. ونذّكر في هذا المجال بأن حصة الضرائب غير المباشرة من ضمن الزيادة العامة للإيرادات الضريبة، ارتفعت، وخصوصاً مع استحداث الضريبة على القيمة المضافة عام 2002.

3- ما هي انعكاسات هذه الأرقام على موازنة عام 2009؟

إن اتجاهات طويلة الأجل كهذه تحكّمت في السياسات الاقتصادية للدولة من خلال تعاقب الموازنات بين عامي 1993 و2007، وهي تمثّل تحدّياً أساسياً أمام توقع خروق أساسية واستثنائية في موازنة عام 2009، ولا سيما أن هذه الموازنة تأتي بعد 4 موازنات لم تقرّ دستورياً وتعدّ محور خلافات. إضافة إلى أن موازنة عام 2009 تأتي في سنة استثنائية انتخابية، بحيث تُشغَل الطبقة السياسية بالهموم الانتخابية، ما سيؤثّر في نسق الإنفاق العام، بحيث ستحاول مختلف الأطراف التحايل على أبواب الموازنة فتقدّم مشاريع لإعادة ترحيل نفقات من باب إنفاقي إلى آخر. لذلك لا أتوقع أن تكون موازنة عام 2009 موازنة استثنائية.

4- في ظل هذه المفارقات في النفقات التي تتمحور على خدمة الدين العام من جهة، والإيرادات المرتكزة على الضرائب، وخصوصاً غير المباشرة منها من جهة أخرى، كيف يمكن توصيف السياسة الاقتصادية والاجتماعية المتّبعة منذ عام 1993 حتى الآن؟

ما يمكن قوله إن الإنفاق الاستثماري في موقع دوني في النفقات داخل الموازنة، وكذلك النفقات على الأجور وتكاليفها، ومن الممكن أن ترتفع في موازنة عام 2009 مع تصحيح الأجور الذي حدث أخيراً، ولكن لن يغير في الاستنتاجات التي نضعها، وخصوصاً أنه خلال السنوات الماضية حتى عام 2006 كنا نشهد مؤشر تضخم وسطياً لا يزيد عن 2 في المئة، وإذ بنا نصل إلى مؤشر يسجل 11 إلى 12 في المئة من متوسط التضخم خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي. ومن الواضح أن هذه الموازنات لا يمكن وصفها سوى بأنها موازنات «تدبير حال» ضمن أولويات غايتها تمويل إنفاق الدولة من دون انكباب جدي على تحقيق إصلاحات ماكرواقتصادية.

5- من المستفيد من إعداد موازنات لا يهمها سوى خدمة الدين، بدلاً من تطوير الاقتصاد الوطني؟

إن الطبقة السياسية سواء في مجلس النواب أو مجلس الوزراء مرتبطة بتشكيلات ما دون دولتية تسمح بأن تتكوّن هذه الطبقة التي لا توجد لديها لا قدرة ولا رغبة في العمل بمبدأ الإصلاح لتعديل السياسات الاقتصادية والاجتماعية أو تغييرها.

6- ولكن 80 في المئة من الدين العام القائم داخلي، وبالتالي فإن تسيير هذا النهج لا يرتبط فقط بطبقة سياسية، إذ أين المصالح المصرفية من هذا النهج، وأين هذه المصالح من الإفادة من عدم تغيير السياسات المتبعة؟

عموماً لا أولويات لدى الطبقة السياسية في الإصلاح، إذ هناك جزر إصلاحية متفرقة، ولا أحد يبحث عن حلول للمشاكل الاجتماعية، والحد من الفقر وتحسين وضع الطبقى الوسطى، حيث إن إعداد الموازنات مأسور بالتراكم التاريخي للأرقام التفصيلية لبنود النفقات والإيرادات، أما المقاربة الكلية لأهداف الموازنات، من حيث تحديد الخيارات الأساسية والأولويات، وتحديد القوى الاجتماعية المستهدفة وتلك التي يجب أن تتحمل الأعباء... فهذا النوع من النقاش غائب عن تحديد الموازنات وبنودها. والرغبة ليست غائبة، بل هناك مصالح تتحكّم في توجّهات السياسات الطويلة المدى، والغريب أن المعارضة غائبة، إذ إن الاتحاد العمالي وضعه مُبكٍ، والنقابات القطاعية كذلك، باستثناء نقابات الأساتذة، وكذلك نقابات المهن المستقلة، التي تنعكس فيها الاصطفافات السياسية، فيما العصبيات ما دون دولتية تستقطب القسم الأكبر من الناس. إذن المشكلة ليست تقنية بل ترتبط بالنظم السياسية وقوانين التمثيل والإصلاحات على مستوى الإدارات العامة لتحديد الخيارات الاقتصادية المطلوبة. ومن الواضح من جهة أخرى، أن جزءاً كبيراً من النفقات يذهب إلى خدمة الدين العام، وجزءاً من هذه النفقات ذهب أرباحاً للمصارف، وهذا يظهر من خلال ما تؤكده المصارف في ارتفاع حجم الرسملة فيها أكثر من 30 ضعفاً في السنوات الثلاث عشرة الأخيرة.

7- كيف يمكن قراءة هذا الارتفاع الحاصل في رؤوس أموال المصارف، في مقابل تدني نمو الناتج المحلي الإجمالي؟

ما يظهر في بعض الأحيان نقاط قوّة لدى القطاع المصرفي هو دليل ضعف للاقتصاد الوطني ككل. فأن ترتفع الودائع 3 أضعاف حجم الناتج، أو أن توجد سيولة استثنائية خلافاً لما يجري في الدول العالمية خلال الأزمة المالية القائمة، هو دليل قوة استثنائية في المدى القصير، لكنه دليل ضعف على المدى الطويل، إذ إن كل هذه الموارد الموجودة لا تُستثمر لزيادة القيمة المضافة وتطوير القطاعات والربط فيما بينها أو زيادة فرص العمل في لبنان...


دولرة الودائع

يجب التطرق عشية مناقشة الموازنة، كيفية تحويل مفاعيل تراجع دولرة الودائع إلى حوافز لخفض دولرة التسليفات، وأي فائدة من شأنها زيادة التسليفات بالليرة لتعزيز مكانتها. إضافة إلى تحصيل الضرائب على التحسين العقاري، وأن تكون الضريبة على الفوائد تصاعدية