تداعيات الأزمة على لبنان: الفقراء يزدادون فقراً محمد وهبة
لبنان ليس معزولاً عن العالم، وما يجري فيه من أحداث مالية ومصرفية واجتماعية... فالاقتصاد اللبناني، بحسب ما ردّد أكثر من مرّة وزير المال محمد شطح، «مرتبط عضوياً باقتصاد دول الخليج». ويقصد بهذا الكلام، بالدرجة الأولى، تحويلات المغتربين اللبنانيين، وبدرجة أقل، النشاط السياحي لمواطني هذه الدول واستثمارات الشركات المحليّة في كل دولة... أي إن الأزمة المالية العالمية التي انتشرت في اقتصادات الدول الخليجية ستكون مؤثرة على مداخيل العاملين في هذه الدول، ومنهم اللبنانيون.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذّر من تأثير الأزمة على تحويلات المغتربين اللبنانيين، من دون أن يحدد نسبة التأثّر التي لن تكون واضحة قبل مرور أشهر. فالأمر مرتبط أساساً بتطورات الأزمة، إذ إن تأثيراتها المباشرة لا تزال مستقرّة، حتى الآن، على انهيارات مؤسسات ماليّة ضخمة تدخلت الدول لحمايتها، فيما لا يزال العالم كله يترقّب التأثيرات غير المباشرة على الاقتصاد بمفهومه الواسع بما يشبه أو يفوق «الكساد العظيم»، وهذا الأمر سينسحب على مؤسسات الخليج تحديداً، التي لا تزال تتستر على المعلومات المالية التي تؤكد أو تشير إلى الخسائر الفعلية، واحتمال ظهور حالات إفلاس وصرف عمال.

ميزانيات الأسر المستفيدة

إذاً، تمثّل تحويلات المغتربين اللبنانيين العنصر الأول الذي يجب رصده، وهذا ينبع من تكوين مقصد هذه التحويلات والشرائح الاجتماعية التي تصل إليها، وستؤثر فيها أي تغيرات سلبية. وبحسب الخبير الاقتصادي شربل نحاس، فإن تحويلات المغتربين تعزز ميزانيات الأسر الفقيرة والمتوسطة، «فهي تمثّل أكثر من مجرد نسبة هامشية في ميزانياتهم، ويعتمد عليها عدد غير قليل من الأسر اللبنانية المتوسطة والفقيرة». وبحسب الأمين العام لجمعية مصارف لبنان، مكرم صادر، فإن حوالى 85 في المئة من مصدر تحويلات العاملين في دول الاغتراب تتمثّل في دول مجلس التعاون الخليجي الستة (السعودية، الإمارات العربية المتحدة، قطر، الكويت، البحرين، سلطنة عمان)، في مقابل 15 في المئة من مختلف أنحاء العالم (أبرزهم في دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، أوستراليا، الباراغواي...).

حجم التحويلات

وفيما لا يمكن أحداً أن يعرف حجم هذه التحويلات، إلا أن تقديرات مكرم صادر تشير إلى أنها تبلغ في أحسن الأحوال 5 مليارات دولار. ويقدّرها حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، بحوالى 6 مليارات دولار، والبنك الدولي بحوالى 5.5 مليارات. وهذه الأرقام لا تشمل التحويلات التي لا تمر عبر القنوات التقليدية، لذلك يتوقع أن لا تقل عن 8 مليارات دولار، ولا سيما بعد عام 2005 حين ازدادت هجرة القوى العاملة الشابة، فسجلت 60 ألفاً في عام 2005، ثم سجلت 120 ألف شاب منذ مطلع 2007 حتى تموز 2007. وبالتالي فإن حجم التحويلات الفعلي لا يقل عن 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ومن هنا خطورة التداعيات المحتمل حدوثها.
وبحسب صادر، فإن الأزمة في دول الخليج متفاوتة وتصيب نقطة معينة من النشاط الاقتصادي. لذلك، من غير الممكن تحديد حجم تأثر القوى العاملة المغتربة، لكن الواضح أن «معدلات النمو في دول الخليج ستبقى إيجابية، في حين أن المقياس هو سعر النفط الذي تربط دول الخليج ميزانياتها به بهامش لا يقل عن 60 دولاراً. وفي ضوء المعطيات الحالية، هذا يعني أن فرضية تأثر العاملين الللبنانيين المغتربين في عام 2009 لن يكون ذا أهمية كبيرة».
ويرى وزير المال الأسبق جورج قرم، أن «تراجع هذه التحويلات بنسبة 10 في المئة لن يؤثر كثيراً، لأنها لا تبلغ أكثر من 5 مليارات دولار، وبالتالي لا تمثّل أكثر من 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي».

ارتباط عضوي

لكن المعلومات المتداولة تشير إلى خسائر غير معلنة في الخليج، حيث تمثل توظيفات المؤسسات المالية في الدول الأجنبية قسماً أساسياً من مجمل أموالها، وقد منيت غالبيتها بخسائر كبرى. كذلك فإن الأزمة بدأت تنتقل إلى الصناديق السيادية التي أُشيع في السابق أنها بمنأى عن الأزمة، ليتبيّن لاحقاً أنها خسرت 25 في المئة من قيمتها، أي إن حجم الثروة في الخليج بدأ بالتراجع، وسيحدّ من القدرة الشرائية، فضلاً عن أن ميزانيات هذه الدول مربوطة بأسعار النفط، وبالتالي ستبدأ ميزانياتها بإظهار خسائر عندما ينخفض مستوى سعر برميل النفط عن 60 دولاراً، إضافة إلى عنصر الطلب على السيولة في الأسواق وتأثيره السلبي على الشركات الكبيرة والعقارية ومشاريعها المستقبلية التي قد تتوقف أو تتأجل.

تعميق الهوة

ويرى قرم، أن تحول الأزمة إلى حالات صرف عمال في بلدان الخليج أو انخفاض مداخيل اللبنانيين المغتربين سيعمق الهوة الموجودة بين الفقراء والأثرياء، «فالفقراء الذين يعتمدون على جزء من هذه الأموال سيزيدون فقراً، وستظهر تأثيرات تراجع حجم التحويلات على الطبقة الوسطى التي راكمت بعض المدخرات في السنوات الأربع الماضية وأنفقتها بسبب الظروف الصعبة التي مرّ بها لبنان، لذلك هي ستتأثر بالاتجاه الانحداري».
وإلى جانب هذه التحويلات، وإمكان تراجع مستوى السيولة التي تضخها في السوق المحلية، وخصوصاً أن مصرف لبنان ووزارة المال يعمدان إلى ضبط إيقاع السيولة في السوق المحلية وامتصاصها بهدف المحافظة على التثبيت النقدي وربحية المصارف وتمويل الدين العام وخدمته، هناك تداعيات إضافية أساسية على لبنان، إذ سيتأثر تدفق الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة والسياحة الخليجية، فضلاً عن أرتباطات إضافية للقطاعات اللبنانية بالثروات الخليجية، ولا سيما في الاستثمارات العقارية الكبرى والفردية.


2.2 مليار دولار

هو الفائض الأولي
المحقق في ميزان المدفوعات حتى نهاية أيلول 2008. وهذا الحساب الذي يستنتج منه حجم التحويلات إلى لبنان يشمل حوالى 10 حسابات مختلفة، منها الاستثمارات وودائع المصارف وودائع غير المقيمين والحسابات المعادة إلى لبنان...


متوسط تحويلات المغترب