فضّلت دمشق الصمت إزاء المعلومات التي سرّبها دبلوماسيون من فيينا وأكّدوا فيها أن آثاراً نووية ظهرت في موقع دير الزور، بينما ظهر شبه إجماع في ردود فعل مسؤولي وكالة الطاقة الدولية على انتظار اجتماع حاسم لمجلس حكامها في نهاية الشهر الجاريتتفاعل قضية الموقع السوري الذي قصفته إسرائيل في أيلول من عام 2007 في منطقة دير الزور، والذي تدّعي الولايات المتحدة وإسرائيل أنه كان منشأة نووية. وجاءت تسريبات دبلوماسيين غربيين أول من أمس، أفادت بأن العيّنات التي أخذها مفتّشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الموقع المذكور تؤكد اكتشاف عناصر من اليورانيوم مدموجة مع مواد كيميائية أخرى، لتزيد من تعقيد القضية، ما استوجب صدور موقفين بارزين: الأول ورد على لسان المدير العام لوكالة الطاقة، محمد البرادعي، الذي قال إن وكالته «تأخذ هذه التسريبات على محمل الجدّ»، بينما فضّلت المتحدثة باسم الوكالة، ميليسا فليمينغ، التروّي، واصفة تلك المعلومات بأنها «تعقّد الموضوع وتسيّسه أكثر، لكون نتائج التحاليل المخبرية على العينات السورية لم تصدر بعد».
وبعدما أشار البرادعي، من العاصمة التشيكية براغ، إلى أن منظّمته «تأخذ معلومات الدبلوماسيين على محمل الجد»، حثّ جميع الدول على «مشاركتنا بالمعلومات التي هي بحوزتها، ما قد يسرّع من التحقيقات» التي يقودها مفتّشوه.
وفي الوقت الذي رفض فيه البرادعي تأكيد أو نفي صحة ما كشفه الدبلوماسيون، وجّه انتقاداً مبطّناً إلى إسرائيل، عندما قال: «بمجرّد أننا كنا ممنوعين من تفتيش الموقع قبل تدميره، فإن الموضوع بات أكثر تعقيداً بالنسبة إلينا بعد قصفه». ثمّ عاد المسؤول الدولي ليحثّ القيادة السورية على التعاطي «بأكبر قدر من الشفافية» مع المفتشين الدوليين الذين سبق أن تقدّموا بطلب إلى السلطات السورية للعودة إلى الموقع لإجراء «المزيد من التحقيقات الضرورية».
وكانت دمشق قد برّرت تأخيرها في الرد على الطلب الدولي، على لسان مندوبها في وكالة الطاقة، محمد خطاب، الذي جزم بأن بلاده لن تسمح بعودة المفتشين، لأنها لا تزال رسمياً في حالة حرب مع إسرائيل، وتخشى أن تؤدّي المزيد من الزيارات الدولية إلى كشف أسرارها العسكرية غير النووية أمام الدولة العبرية.
غير أن مسؤول البرنامج النووي السوري، إبراهيم عثمان، شدد على أن دمشق تنتظر صدور نتائج الفحوص المخبرية لعيّنات التربة التي أُخذت من الموقع السوري المستهدَف، قبل أن تقرر نوعية ردّها.
بدورها، سارعت فليمينغ إلى التشديد على أنه لا نتائج نهائية بعد لتقويم العيّنات السورية، وهذه النتائج ستكون جاهزة في الاجتماع المقبل لحكّام الوكالة الدولية المقرر عقده في 27 و28 من الشهر الجاري في فيينا.
وفي معرض انتقادها للتسريبات الإعلامية والدبلوماسية، قالت فليمينغ: «نأسف لمساعي البعض في إضفاء أحكام مسبقة على عملنا التقني البحت»، جازمة بأنّ أي موقف رسمي لوكالتها لن يُعلَن قبل تقديم التقرير التقويمي النهائي إلى مجلس الحكّام في موعد اجتماعهم.
ورغم الأخذ والردّ في الموضوع، أحجم أي مسؤول سوري عن التعليق، في إشارة إلى أن دمشق تعوّل على موعد اجتماع نهاية الشهر الجاري قبل اتخاذ أي قرار أو إصدار أي موقف متّصل بهذه القضية.
يُذكَر أن الدبلوماسيين الذين سرّبوا الخبر الذي أثار ردود مسؤولي وكالة الطاقة، قد أكّدوا أن آثار اليورانيوم الدقيقة ظهرت في بعض العينات البيئية التي أخذها مفتشو الأمم المتحدة من الموقع أثناء زيارته في حزيران الماضي. ورغم ذلك، رأوا أن «الاكتشاف ليس كافياً لاستخلاص نتائج، لكنه يثير بواعث قلق تتطلب مزيداً من التوضيح».
(أ ب، أ ف ب)