هآرتس ــ تسفي برئيلالتهدئة في طريقها إلى الانهيار. كل جانب حذر جداً من إعلان إنهاء التهدئة لأنه سيتهم على الفور بأنه مسبِّب الانهيار. الأشهر «الطبيعية» الخمسة التي شهدناها في الفترة الماضية انتهت، والآن يجب الاستعداد للمرحلة المقبلة.
لو جرت الأمور وفقاً للاتفاق المعقود في شهر حزيران، لكان على إسرائيل أن تعلن بعد شهر التهدئة في الضفة أيضاً، وأن تتوقف عن اعتقال أفراد «حماس» أو التحرك على الأرض ضد الأطر التنظيمية. كان بإمكان «حماس» حينئذ أن تسجل لنفسها إنجازاً غير عادي: هي، لا السلطة الفلسطينية، كانت ستنجح في إعادة اللحمة بين الضفة والقطاع، وهي، لا «فتح»، الحريصة على أمن المواطنين الفلسطينيين. قوة «حماس» الردعية، التي مكّنتها من تحقيق التهدئة، كانت ستتحول في هذه الحالة إلى رافعة سياسية قوية، واضعة محمود عباس أمام معضلة صعبة: كيف يمكنه أن يبقى رئيساً في الوقت الذي تملك فيه «حماس» مفاتيح الكفاح المسلح والثمن المترتب عليه في غزة والضفة أيضاً. مع غياب التهدئة، لن تعود هذه المعضلة قائمة.
الشكوك تساور النفس بأن «معضلة عباس» تقلق إسرائيل، وأن قرار التخلص من التهدئة ليس معزولاً عن ساحة الضفة. ذلك أن اسرائيل تمتلك أسباباً جيدة جداً للتراجع عن هذه التهدئة وشن هجوم على غزة. الأسلحة والمواد التخريبية شقت طريقها إلى القطاع من دون قيود تقريباً، والأنفاق لا تزال تُحفر، والعبوات الناسفة زُرعت في أرجاء القطاع. أما «النفق الموقوت» الذي حُفر لاختطاف الجنود، فلم يسبّب خطراً بحد ذاته لأنه معروف، وكان من الممكن منع استخدامه في الجانب الإسرائيلي، أو على الأقل منع وجود الجنود بالقرب منه.
ليس من الممكن أيضاً اتهام من قرر تفجير النفق بعدم المنطق. كان من الواضح للجهات الأمنية ما الذي ستتمخض عنه عملية تفجير النفق، وهم يعرفون بالتأكيد أن سياسة «الدخول المضبوط» إلى منطقة ضيقة في القطاع تعني انهيار التهدئة في نهاية المطاف.
إذا لم يكن الجيش جاهزاً، والحكومة لا ترغب بعملية واسعة النطاق في غزة، فما هي الجدوى من القضاء على التهدئة أو شد خيوطها لدرجة القطع؟
يصعب إيجاد منطق في هذه السياسة الجديدة، إلا إذا وُجِّهَت الأنظار مرة أخرى نحو الضفة حيث يتبين أن آخر أمر تريده إسرائيل هو إتاحة المجال لـ«حماس» لأن تملي عليها التهدئة هناك أيضاً. يبدو أن الرواية الدقيقة لما يحدث هي أن إسرائيل تفضِّل حصر أرض المعركة بالمكان الذي تم «التعود عليه» في الجنوب، وألا تسمح بإعطاء «حماس» منطقة نفوذ وتأثير أخرى، فضلاً عن السيطرة، وفي كل الأحوال لا يريدون إعطاء «حماس» ذريعة لاستغلال التهدئة في الضفة أيضاً.