strong>المخابز والكهرباء تتوقّف خلال أيام ومصر تضاعف مراقبة تهريب الوقودتتجه غزة بخطوات متسارعة نحو الكارثة، وسط صمت عربي ودولي مطبق إزاء استمرار الاحتلال في ارتكاب مجازر إنسانية جماعية. أرادت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لغزة أن تكون «بلا حياة ولا موت»، كل شيء فيها مفقود. ومع ذلك، يشاكس سكانها من أجل البقاء، ولو على هامش الحياة

غزة ــ قيس صفدي
المواطن الغزي يكابد من أجل الحصول على الخبز، لكنه لا ينام بلا عشاء. يجتمع أفراد الأسرة حول مائدة الطعام «الطبلية» على ضوء شمعة في ظل انقطاع الكهرباء لساعات طويلة. يشربون الشاي المعدّ على النار بدلاً من الغاز المفقود. ويستقلون سيارات تعمل ببقايا ما في الأسواق من وقود مصري.
اعتاد الغزيون الوقوف في الطوابير الطويلة للحصول على مستلزماتهم. كل شيء في غزة يوجب الانتظار. الكل متساوون في الحصول على ربطة خبز واحدة، أو اللجوء للتحايل ووقوف شخصين من عائلة واحدة في الطابور نفسه للحصول على ربطتين.
كان أحمد يقف في طابور طويل، وأقصى أحلامه الحصول على ربطة خبز يعود بها إلى أولاده التسعة. انتظاره دام أكثر من ساعتين، وتحقق الحلم. إلا أنه قال: «اليوم حصلنا على ربطة خبز واحدة، لكن بعد ساعات قليلة قد لا نتمكن من الحصول على رغيف واحد مع إغلاق المطاحن أبوابها في ظل نفاد القمح».
كا يحصل نتيجة لامتناع إسرائيل عن تزويد غزة بالوقود والمواد الغذائية منذ إغلاق المعابر في الرابع من الشهر الجاري، عقب التصعيد العسكري واستئناف فصائل المقاومة إطلاق الصواريخ على بلدات إسرائيلية.
وأمس، تراجع الاحتلال عن قرار سابق بفتح معبر كرم أبو سالم الواقع عند نقطة التقاء الحدود الثلاثية بين مصر وغزة ودولة الاحتلال أقصى جنوب شرقي القطاع، بزعم سقوط صواريخ محلية على البلدات والمواقع الإسرائيلية المحاذية للقطاع.
وفي السياق، قال مدير المختبر ومراقبة الجودة في شركة المطاحن الفلسطينية، إحسان الفرا، إن «قطاع غزة الآن معرض لأزمة غذاء حقيقية، فالمخابز ستتوقف كلياً خلال أيام عن العمل جراء نفاد الدقيق من الأسواق»، مشيراً إلى أن «شركة المطاحن اضطرت للتوقف عن العمل لعدم توافر القمح».
بدوره، أوضح رئيس جمعية أصحاب المخابز في غزة، عبد الناصر العجرمي، أن «27 مخبزاً من أصل 47 توقفت عن العمل كلياً، والعشرون الباقية تعمل جزئياً بسبب انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود والغازويقضي نحو 70 في المئة من سكان غزة 16 ساعة من دون كهرباء يومياً، في وقت تفتقر فيه السوق المحلية إلى وسائل الإنارة البديلة. يرافق ذلك تحذيرات شركة توزيع الكهرباء من توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة عن العمل بسبب نفاد الوقود، وعدم وجود أدوات الصيانة اللازمة.
كما اشتكى سكان يقطنون في الأبراج السكنية المتعددة الطبقات في غزة من شح المياه، جراء عدم توافر الكهرباء اللازمة لمولدات ضخ المياه إلى الخزانات، فيما تتعمد دولة الاحتلال عدم صيانة الخطوط التي تتحكم بها وتغذي 50 في المئة من احتياجات القطاع، إضافة إلى قطع الكهرباء التي تصل من الشركة الإسرائيلية لزيادة الضغط على السكان.
أزمة الكهرباء انعكست بوضوح على المستشفيات، التي ازدحمت ساحاتها بعشرات المواطنين، الذين فضلوا البقاء إلى جوار مرضاهم، المتعلقة أرواحهم بأجهزة تعمل بواسطة كهرباء المولدات.
وقف محمود أبو حمد أمام قسم العناية المركزة في مستشفى الشفاء، حيث يرقد قريبه فوزي أبو حمد، الذي أصيب في قصف إسرائيلي قبل خمسة أيام. قال: «لم نعد نحتمل الجلوس في بيوتنا، ونفضل الوقوف في ساحة المستشفى لنرى ما يحدث لمرضانا. الكل هنا يمكن أن يموت في أي لحظة». وتساءل بمرارة: «هل ينتظر العالم موت مرضانا بالجملة ليتحرك؟». رئيس قسم العناية المركزة في المستشفى، الطبيب فوزى النابلسية، أكد أن «كل الحالات المرضية داخل قسم العناية المركزة معرضة في أي لحظة للوفاة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، واعتماد القسم على المولدات التي تعمل بما تبقى من مخزون وقود». وأضاف أن «المستشفى وصل جهاز تغيير الكهرباء وتحويلها إلى المولدات في حال انقطاع التيار الكهربائي»، مشيراً إلى أن «الفترة التي يحتاج إليها نقل الكهرباء عبر المولدات تهدد حياة المرضى داخل القسم، لأن خلايا أغلبهم لا تتحمل توقف الأوكسيجين لأكثر من خمس دقائق».
وتبدو أزمة الوقود غير ظاهرة بوضوح حتى اللحظة على حركة السيارات، التي لا تزال تعتمد على ما بقي في السوق المحلية من وقود مصري مهرب عبر الأنفاق.
وقال أحد أصحاب أنفاق التهريب في رفح إن «السلطات المصرية ضاعفت في الأيام القليلة الماضية من مراقبتها وتضييق الخناق على الأنفاق، ما أثر على قدرة المهربين على تزويد غزة بكميات الوقود اللازمة».
إلى ذلك، حذرت مؤسسة «الضمير» ومركز «الميزان» لحقوق الإنسان من التداعيات الخطيرة لاستمرار الحصار ونقص إمدادات الكهرباء والوقود على قدرة عمل المستشفيات في القطاع.