عُدِّلَت اتفاقية «سوفا» أكثر من مرة، لترسو على نسخة نعرف منها العربية، تحمل غموضاً قد يفسح المجال أمام الاحتلال لانتهاك سيادة العراق وثرواته إلى أمد غير محدَّد، ببنود مليئة بالعبارات الإنشائية وقلّة تحديد المصطلحات القانونية وغياب المرجعية ــ التحكيمية
1) ما هي البنود المفخّخة؟

المادة الرابعة، وتحت عنوان «المهمات»، تحدّد «الأعداء» بـ«تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية والجماعات الخارجة عن القانون وبقايا النظام السابق». ولم تنصّ هذه المادة على أن تكون هذه الجماعات عراقية أو تتمركز في العراق. بالتالي فإن «حقّ الدفاع عن النفس» الذي يكفله البند الخامس من المادة نفسها يمنح أصحابه (القوات الأميركية والعراقية) حق مهاجمة هذه الجماعات في دول الجوار كما حصل في اعتداء البوكمال. حتى إن المادة 27 (ردع المخاطر الأمنية) تعطي بوضوح الولايات المتحدة حق «اتخاذ الإجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية عند نشوء أي خطر خارجي أو داخلي على العراق، أو وقوع عدوان ما عليه»، رغم أن البند الثالث يقول «لا يجوز استخدام أراضي العراق ومياهه وأجوائه ممراً أو منطلقاً لشنّ هجماتٍ على بلدانٍ أخرى».

2) كيف يمكن لواشنطن اللعب على عامل اختلاف الترجمة من العربية إلى الإنكليزية؟

في ما يخصّ شنّ قوات الاحتلال عمليات داخل العراق، فقد نص البند الثاني من المادة 4 على ضرورة تنسيق القوات الأميركية مع الحكومة العراقية عبر لجنة مشتركة (JMOCC). وهنا أيضاً، أشار 3 مسؤولين أميركيين إلى أن هذه المادّة «كمين» كبير لأنها ستسمح للقوات الأميركية في النسخة الإنكليزية، بأن تكتفي بإبلاغ الجانب العراقي بأنها تنوي «شن عمليات لمكافحة الإرهاب في مكان ما، في مدينة أو محافظة عراقية ما خلال شهر معيّن».
ويبقى بند الحصانة القضائية لجنود الاحتلال اللغم الأكبر وهو ما اعترف به المسؤولون الأميركيون. وبسبب صياغة المادة 12، قد يحول تطبيقه إلى حرمان القضاء العراقي من محاكمة أي جندي أميركي ولو اقترف جريمته خارج قاعدته العسكرية وخارج إطار «حالة الواجب». فالبند 9 يترك تقدير «حالة الواجب» للقوات الأميركية، ولو حصل خلاف حول التقدير فيُترَك «للتشاور» بين القوات الأميركية والعراقية.

3) ما هي القيمة القانونية لتعهّدات الرئيس الأميركي بـ«حماية أموال العراق وعائداته النفطية»؟

الاتفاقية مليئة بالتعهدات والعبارات الإنشائية من نوع «يسعى جاهداً» و«يبذل جهوده» عندما تتعلق المواضيع بالحقوق المالية السيادية للعراق. وينص البند الأول من المادة 26 على أن «الولايات المتحدة تبذل أقصى الجهود في سبيل دعم العراق لإعفائه من الديون الدولية الناتجة من سياسات النظام السابق وللتوصل إلى قرار نهائي بشأن مطالبات التعويض التي ورثها العراق عن النظام السابق، بما في ذلك متطلبات التعويض المفروضة على العراق من مجلس الأمن الدولي». ويغيب الالتزام القانوني الذي كانت توفّره المواد القانونية الموجودة في القرار الدولي رقم 1790 (التفويض السنوي لبقاء القوات الأجنبية منذ الاحتلال). فالرئيس الأميركي «سوف يبذل جهوده»، لكن ماذا لو لم يستطع إلغاء القرار 661 (1990: الحصار على العراق وعلى موارده النفطية)؟ وماذا لو لم يستطع إقناع مجلس الأمن بإبطال مفعول الدعاوى المرفوعة ضد العراق والهادفة إلى نيل عشرات مليارات الدولارات من حكومة بغداد للتعويض «عن جرائم النظام السابق»؟

4) هل هناك بنود سريّة في الاتفاقية وماذا عن «اتفاق الإطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون»؟

يصر حكام بغداد على التأكيد أنه لا وجود لبنود سرية في الاتفاقية. أما «اتفاق الإطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون» بين البلدين، فهو يندرج بشكل منفصل من ضمن الاتفاقية وهو مستوحى من «إعلان المبادئ» الذي وقّعه نوري المالكي وجورج بوش قبل عام. ويرى البعض أن «الاتفاق الاستراتيجي» أخطر من «سوفا» بالنسبة إلى سيادة العراق من ناحية دفعه إلى التطبيع مع الاحتلال في البنود الاقتصادية والثقافية والأكاديمية، بحيث تشير مواده إلى ربط الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الأميركي والسعي لدمج الاقتصاد العراقي في الرأسمالية العالمية من خلال السعي لإدخاله إلى منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

5) ماذا عن نهائية مواعيد الانسحاب؟

الترجمة العربية جازمة في تحديد مواعيد الانسحاب غير المشروط، بموجب المادة 24: «الانسحاب من كامل الأراضي والمياه والأجواء العراقية قبل 31 كانون الأول 2011، ومن المدن والقرى قبل 30 حزيران 2009». لكن كلام رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي مايكل مولن كان واضحاً باستخفافه بالمواعيد الواردة في الاتفاقية، بما أنها تبقى «مواعيد غير نهائية مرتبطة بتحسن الوضع الميداني».
(الأخبار)