اعتداء على فلسطينيّي 48 في «عيد الغفران» حيفا ــ فراس خطيب
عكا، تلك المدينة المختلطة، تجلّت فجر أمس على أنها «وصفة الصراع»، بعد انفجار مواجهات بين المئات من سكانها العرب واليهود في «ليلة الغفران اليهودي». التوتر بدأ منذ عصر أول من أمس، حين نصبت الشرطة الإسرائيلية وبلدية عكا حواجز في المدينة «تحسباً لأعمال الشغب»، ومنعتا تجوال السيارات القليلة التي عادة ما تتجوّل في مثل هذا اليوم.
وقال عضو البلدية أحمد عودة، لـ«الأخبار»، «لقد حذرنا المسؤولين في البلدية من إقامة هذه الحواجز التي تزيد من حدة التوتر على الحال المتوترة أصلاً. وقلنا إن العرب يحترمون هذا اليوم ولا حاجة لمظاهر الإجبار هذه».
ففي «يوم الغفران»، يصوم اليهود (بدأوا الصيام من بعد ظهر أول من أمس)، ويكسرونه مساء اليوم الثاني، الذي يعدّ أكثر الأيام قدسيّة لدى اليهود. كل شيء مغلق، المؤسسات الحكومية والمحال التجارية. ويمنع، بحسب الدين اليهودي، سير المركبات. ومن الممكن أن يتعرض من يسير بسيارته في الأحياء اليهودية المتديّنة أحياناً إلى رشق بالحجارة. ويتخذ «الغفران» شكلاً أكثر توتراً في المدن المختلطة، بحيث يشعر العرب، بحسب قول أحد الشبان، بـ«الحبس المنزلي».
البيت المحاصر
في ساعة متأخّرة من ليل الأربعاء ـــــ الخميس، دخل شاب عربي بسيارته إلى شارع بن «شوشان» في الجانب الشرقي من مدينة عكا، متجهاً إلى بيت قريبه أحمد شعبان، حيث تسكن غالبية يهودية. وعند دخوله الحي، تعرض لاعتداء من قبل شبّان يهود، استطاع الإفلات منهم والوصول إلى منزل عائلة شعبان. وفي تلك الأثناء، تجمّع عدد كبير من سكان الحي اليهود وحاصروا البيت، وضربوه بالحجارة، هاتفين «الموت للعرب». واحتجّوا على «خرق قدسيّة الغفران».
وكان النائب العربي في الكنيست عباس زكور، ابن مدينة عكا، (الذي هرع إلى المكان قبل اتساع المواجهات)، موجوداً في بيت عائلة شعبان. وقال، واصفاً الحدث من الداخل، «حضرت مبكراً وسريعاً إلى منزل شعبان. كنا نحو 15 شخصاً في المنزل، وسرعان ما أحاط بنا المئات من الشبان اليهود الذين امتلأت عيونهم حقداً وعنصرية، وأمطرونا بالحجارة من كل حدب وصوب، حيث تحطمت نوافذ المنزل علينا.، كذلك حطّموا سياراتنا، ومن بينها سيارتي الخاصة التي تحطّم فيها الحديد قبل الزجاج».
وأضاف زكور، محاولاً وصف الوضع، «رأينا الموت بأعيننا، وكنت على اتصال دائم مع شرطة عكا التي عجزت عن إحضار المزيد من القوات لحمايتنا وإخراجنا من داخل البيت المحاصر».
العائلة المحاصرة استنجدت عبر الاتصالات بأناس من سكان المدينة. في تلك الأثناء، انتشر الخبر في أرجاء عكا حيث هرع المئات من الأهالي العرب إلى مكان الحدث. واندلعت اشتباكات بينهم وبين قوات الشرطة الموجودة في المكان، وصلت إلى حدّ تفريق المتظاهرين بواسطة القنابل المسيّلة للدموع. وادّعت الشرطة في تحقيقاتها الأولية أن الصدام تفاقم في أعقاب شائعة أفادت بأن الشاب العربي قد لقي مصرعه، الأمر الذي أدى إلى هروع المئات من الشبان العرب إلى المنطقة.
ويقول عودة «طلبت منّا الشرطة أن نعيد المتظاهرين إلى البيت، ومن بعدها يخرجون العائلة المحاصرة. لكننا لم نوافق، قلنا لهم أخرجوا العائلة أولاً ومن بعدها سيعود المتظاهرون، وهذا ما حصل».
العائلة المحاصرة أنقذت من بيتها، وأسفرت المواجهات عن جرح عدد من السكان. ولكن الخواطر لم تهدأ. وبحسب شهود عيان، فإن الشبان العرب تعرضوا لرشق بالحجارة من الجانب اليهودي، وعادت المواجهات ثانية من دون أن يسيطر عليها أحد. وألحق الشبان أضراراً جسيمة ببعض المحال التجارية والسيارات التابعة لليهود في شارع بن عامي في المنطقة اليهودية، ما أدى إلى أضرار في أكثر من 30 محلاً تجارياً وعشرات السيارات.
المواجهات دامت ساعات، والشرطة اعتقلت أكثر من 20 شاباً من العرب واليهود. لكن فتاة عربية عكاويّة قالت، لـ«الأخبار»، «نحن لا نصدق بأنهم اعتقلوا اليهود، قلنا لهم أعطونا أسماء المعتقلين، لكنّهم لم يفعلوا».
عودة أعلن «استنكاره الاعتداء على المحال التجارية، لكننا نرفض في الوقت نفسه أن تنحصر المشكلة وكأن العرب اعتدوا على محال اليهود. القصة بدأت عند اعتداء الجماعة اليهودية على شاب عربي ومحاصرة العائلة بهذا الشكل الشرس، في محاولة لفرض القسر الديني على فئة في المدينة. لا يمكن النظر إلى نهاية المواجهات وعدم التطرق إلى أصل المشكلة».
وأضاف عودة «نحن نحترم كل الأديان، نحترم الأعياد ولا نسطو على أحد. خلال شهر رمضان، كان اليهود يأتون إلى سوق البلدة القديمة، ويأكلون ويشربون. ولم نسمع خلال الشهر عن عربي طلب من أحد ألا يأكل في رمضان. لا يوجد قانون يمنع العرب من السير في مركباتهم، إلا أننا نحترم قدسيّة الآخرين وأديانهم. لكن عليهم ألّا يفرضوا علينا الاحترام بالقوة. نحن نحترم من دون أن يفرض أحد علينا أن نحترم».
من جهته، حمّل النائب زكور المسؤولية كاملة لوزير الأمن الداخلي، آفي ديختر، مؤكداً أنه توجه إليه قبل يومين فقط من «الغفران» برسالة تحذيرية مما تقوم به مجموعات عنصرية من الشبان اليهود كل عام في هذا الموعد، حيث يتجمهرون على مداخل البلدات اليهودية ومفارق الطرق القريبة منها، وينهالون على كل سيارة عربية مارّة من المكان بالرجم والتحطيم. وطالبه «بوضع قوات من الشرطة على مداخل البلدات اليهودية ومفارقها لمنع حدوث أية مأساة، لكن الوزير لم يُعر اهتماماً للقضية».


عكا مش للبيعكانت الغالبية الساحقة لأهل المدينة تعتاش من الصيد. لكن في السنوات الأخيرة يواجه الصيادون ضائقة صعبة. الأسماك ابتعدت عن شاطئها بفعل المصانع الكيميائية المحيطة بخليجها، وتفرض وزارة الزراعة على الصيادين خطوات بيروقراطية كثيرة، وغرامات عالية أدّت إلى لجوء الكثيرين إلى أعمال أخرى.
في عكا نسبة بطالة عالية، وظروف معيشية صعبة وخاصة في البلدة القديمة. ولكن المدينة تمتاز بجمالها الظاهر، وثمة علاقة مميزة بينها وبين أهلها. في الآونة الأخيرة، تشكّلت حركة شبابية تسعى إلى نشر التوعية والتحذير من مخططات التهويد. وقادت حملة إعلانية تقول إن «عكا مش للبيع».