منذ عام 2003، بات كل ما يتّصل بالعراق مرتبطاً بمعيار الطائفة والقومية. وبالتالي، ما عاد المهم موقف «العراقيين» من الاتفاقية الأميركية ــ العراقية، بل الأصل فهم لماذا الأكراد متحمّسون والشيعة رافضون والعرب السنة متردّدون؟
بغداد ــ زيد الزبيدي
تبدو اللعبة السياسية في العراق أكبر ممّا يتصوّرها كثيرون، وهي تبدو في الكثير من جوانبها مثيرة للاستغراب. فما لا يعترض عليه الجميع، يبدو كل طرف معترضاً على أجزاء منه، ويتناسى الأهم، وهذا شأن المواقف المعلَنة لمعظم القوى السياسية من الاتفاقية الأمنية المقترحة مع الولايات المتحدة «سوفا».
وإذا كان الطرف الكردي هو الأكثر وضوحاً في موافقته العمياء على مسودة الاتفاقية، لا بل مستعجلاً أكثر من الأميركيين على توقيعها، فالحقيقة أن قناعةً تسود الشارع العراقي حالياً، مفادها أن الموقف الرسمي للحكومة، ولـ«الائتلاف العراقي الموحد» الحاكم، في رفض المسودة الحالية يلبّي إلى حدّ بعيد مطالب إيرانية ترى في التوقيع على ما تصفه طهران «اتفاقية الذلّ والهوان»، خطراً مباشراً على أمنها القومي.
واللافت أنّ «الائتلاف»، وفي سياق رفضه للبنود السبعة، يرفق انتقاداته بتكرار «الشكر الكبير للقوات الصديقة والمحررة»، وهو في ذلك يحاول «مسك تفاحتين بيد واحدة».
ويبقى الأكثر إثارة للجدل على هذا الصعيد، موقف العرب السنّة، الذين انطلقت من بينهم أساساً المقاومة المسلّحة منذ 2003.
فمنذ معركة الفلوجة الثانية في أواخر 2004، فهمت واشنطن أنها لا تستطيع كسب المعركة ضد المقاومة عسكرياً، لذا لجأت إلى المغريات المادية والسياسية.
في هذه الفترة، برزت ظواهر «صحوات» العشائر وراج الكلام عن احتمال إعادة توزيع المناصب السياسية على الطوائف والقوميات (الأفكار تحدثت حينها عن نية إسناد رئاسة البلاد إلى العرب السنّة وإبقاء رئاسة الحكومة بيد الشيعة وإرضاء الأكراد بتولّي رئاسة البرلمان).
واستطاعت إدارة جورج بوش بالفعل أن تكسب ودّ بعض حاضنات المقاومة، ثم جاءت أحداث التفجيرات الطائفية في سامراء في شباط 2006، لتسمح للاحتلال بإقناع طيف كبير من العرب السنّة، ومنهم بعض أطراف المقاومة وحتى بعض السياسيين المشاركين في الحكومة والبرلمان، بأنّ العدو الأساسي بات «الاحتلال الإيراني»، لا الأميركي.
وينعكس هذا التحوّل حالياً في موقف هذه الشريحة من الاتفاقية، التي رأى فيها بعض أطراف «جبهة التوافق العراقية» «ضرورة قومية» لدرء «الخطر الإيراني»، بينما فضّلت أطراف أخرى التريث.
ورغم أنّ الفئة الأخيرة تبدو مقتنعة بموجبات رفض الاتفاقية جملة وتفصيلاً، لما تحمله من تأبيد وشرعنة للاحتلال ومفاعيله، غير أنها لا تزال تتحدث عن انتقاداتها و«ملاحظاتها» باستحياء، خشية اتهامها بتبنّي أفكار رئيس «هيئة علماء المسلمين» الشيخ حارث الضاري الذي أفتى أخيراً بتحريمها، واقترح بديلاً عنها اعتراف الاحتلال بخطئه في الغزو، وكل ما بني عليه، وتعويض العراق والعراقيين عمّا لحق بهم من أذى وضرر.
ويبقى الشارع العراقي، الذي يبدو في الغالب غير مكترث باللعبة السياسية ويلهث وراء قوت يومه، مدركاً أنّ الاحتلال ما جاء ليرحل بهذه البساطة، وأنّ مناورات «الاتفاقية» لن تختلف عن مناورات إقرار القوانين المهمة السابقة، في اللحظات الخانقة، مثل حزمة القوانين الثلاثة التي أُقرّت قبل يوم واحد من عطلة البرلمان الصيفية، وكذلك قانون انتخابات المحافظات الذي جرى تمريره بالطريقة نفسها، إضافة إلى مناورة استفتاء الدستور.