كانت دمشق، أمس، محطّة لزيارات أوروبية تشير إلى مدى انفتاح القارة العجوز على عاصمة الأمويين، الذي بدأ يأخذ منحى تصاعدياً منذ الصيف الماضي
دمشق ــ سعاد مكرم
رأت دمشق في زيارة المنسّق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنيّة في الاتحاد الأوروبي، خافيير سولانا، «اعترافاً رسمياًَ وحقيقياً بالانفتاح الأوروبي على سوريا». وقالت المستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة السورية، بثينة شعبان، «نحن سعداء أن سوريا، التي صمدت بقيادة الرئيس بشار الأسد، يأتي العالم إليها، لأن مواقف سوريا صحيحة وهي مؤيدة للسلام والاستقرار في المنطقة والعالم».
وفي ما يتعلق بالشراكة الأوروبية ـــ السورية التي قيل إنه سيجري التوقيع عليها قبل نهاية عام 2008، قالت شعبان «نحن نعمل بما يتفق مع مصالحنا ومصالح شعبنا»، موضحة أن سولانا، خلال لقاء الرئيس الأسد، كان متحمّساً لعلاقة سوريا مع أوروبا.
زيارة سولانا تأتي بعد انفتاح فرنسا، الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، وقبل انطلاق بوادر الانفتاح البريطاني، التي بدأت بزيارة سايمون ماكدونالد، مستشار رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، إلى دمشق، وما سيتبعها من زيارة لوزير الخارجية السوري، وليد المعلم، إلى بريطانيا في 27 الجاري، ومن ثم زيارة وزير الخارجية البريطاني، ديفيد ميليباند، إلى سوريا.
الحديث عن دعم السلام ودور سوريا بات سمة تصريحات المسؤولين الغربيين الذين يعودون إلى المنطقة لإعادة ترتيب أوراقهم في الوقت الأميركي المستقطع. ليكون السلام العنوان العريض لفتح ملاعب جديدة، يبدو أن سوريا عادت لتشارك فيها، وخصوصاً أنها تمكنت، إلى حد ما، من تجاوز العقدة اللبنانية. وخافيير سولانا، ومن قبله عدد من المسؤولين الأوروبيين، أعلنوا تطويبهم لخطوة التبادل الدبلوماسي بين سوريا ولبنان؛ فقد وصف سولانا بشكل عابر العلاقات الدبلوماسية السورية اللبنانية بأنها «مهمة»، معرباً عن أمله أن يستمر هذا النهج بين البلدين. وأكد الرئيس السوري، خلال لقائه مع سولانا، «أن سوريا تعلّق أهمية كبيرة على الدور الأوروبي في عملية السلام». وقال بيان رئاسي إن اللقاء «بحث عملية السلام في المنطقة والجهود التي تبذل بهذا الصدد». وشدّد الأسد على أن السلام يضمن الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على أوروبا والعالم.
ورحب الأسد بالدور الأوروبي النشيط بقيادة فرنسا وبالتحاور والتعاون وأهمية «إيجاد الفرص المناسبة لتنسيق الجهود ومعالجة الأزمات التي تواجهها المنطقة وأوروبا والعالم ككل».
بدوره، أعرب سولانا عن أمله باستمرار وتقدم محادثات السلام غير المباشرة بين إسرائيل وسوريا، والتي تتم عبر الوسيط التركي. ووصف تلك المحادثات بأنها جوهرية، مشيراً إلى دعم كامل من الاتحاد الأوروبي لعملية السلام.
كذلك أعرب المسؤول الأوروبي عن أمله في أن يتم توقيع اتفاقية الشراكة مع سوريا خلال عام 2009. وقال إنه «يأمل أن يكون هناك تطور على صعيد عملية سلام الشرق الأوسط». وأشار إلى أن اللقاء تطرق إلى الأزمة المالية العالمية، إلى جانب أوضاع المنطقة.
وتأتي زيارة سولانا إلى سوريا في ختام جولة في المنطقة، مدّتها خمسة أيام بدأت الأحد الماضي في الإمارات ثم السعودية فقطر. وتعود آخر زيارة له إلى دمشق إلى آذار 2007، بينما كان آخر لقاء له مع وزير الخارجية، وليد المعلم، قبل نحو شهر على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وفي قناة الانفتاح البريطانية، ناقش الأسد وماكدونالد العلاقات السورية ـــ البريطانية وعرضا «الأوضاع في العراق وفلسطين». وأكد له الأسد أن «المسائل في منطقة الشرق الأوسط متداخلة ولا بد من معالجتها ككتلة واحدة». فيما رأى المسؤول البريطاني، بحسب البيان الرئاسي السوري، «أن سوريا لاعب أساسي ودورها مفتاحي في أي عمل يهدف إلى السلام والاستقرار في المنطقة»، معبراً عن أمله في «نجاح عملية السلام من أجل تجنيب المنطقة المزيد من الحروب والعنف».
ومن حديث دولي بفرض العزلة على سوريا والتهديد والوعيد، إلى حديث الالتزام بدعم عملية السلام، كانت هناك ملفات كثيرة ساخنة تم تبريد الملف اللبناني منها، فيما وضع الملف الفلسطيني على الطاولة. إلا أن الملف الأكثر تعقيداً وسخونة وغير القابل لغاية الآن للتبريد هو الملف العراقي. وكما هو واضح في أجندات المسؤولين الغربيين من زوار دمشق، فالمطلب الأساس هو دور سوري مساعد، وهذا ما سيتوضح أكثر في نتائج الحوار السوري ـــ البريطاني المرتقب.