الهجرة لم تعُد صِمام الأمان في مواجهة البطالةمحمد وهبة
تطورت نسب البطالة دراماتيكياً، في السنوات الماضية. وبحسب دراسة للبنك الدولي، فقد خسر حوالى 30 ألف لبناني وظائفهم بشكل دائم بعد حرب تموز 2006، وهذا يعني أن نسب البطالة ازدادت أكثر من 3 نقاط مئوية في غضون ثلاث سنوات، إذ كانت تقدّر بما بين 8 و10 في المئة في عام 2004، وفقاً لدراسة أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لترتفع إلى 13.6 في المئة في عام 2007 ، بحسب نتائج الدراسة الأخيرة لجامعة القديس يوسف التي أُنجزت بإشراف الدكتورة شوغيك كاسباريان، وإلى حوالى 15 في المئة في هذا العام بحسب مسودة دراسة يعدّها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

خطر البطالة الماثل

تختلف الدراسات الإحصائية في تحديد حجم القوى العاملة الفعلية، وتتراوح التقديرات المتداولة بين مليون و100 ألف ناشط، ومليون و500 ألف، ما يعني أن متوسط مجموع القوى العاملة اللبنانية يدور حول رقم مليون و300 ألف ناشط اقتصادي. وبالتالي ينطلق الخبراء من هذا المتوسط العام ليقدّروا حجم ظاهرة البطالة السافرة في لبنان بما بين 177 ألف عاطل من العمل و195 ألفاً، نسبة كبيرة منهم تنتمي إلى فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة، و64 في المئة من هؤلاء يبحثون عن العمل لأول مرة.
وهذه النسبة الأخيرة هي التي تدفع بالدراسات المتخصصة بسوق العمل والبطالة إلى التركيز على مخرجات التعليم، والانفصام الفاقع بين النظام التعليمي وحاجات سوق العمل، إذ يُقدّر عدد الوافدين الجدد إلى سوق العمل بما بين 35 ألفاً و40 ألف وافد سنوياً، أي إن العدد التراكمي للعاطلين من العمل يمثّل حوالى 5 أضعاف العدد السنوي للوافدين الجدد إلى السوق... وإذا رُصد التطور السنوي لمعدّلات البطالة التي ارتفعت بنسبة 70 في المئة منذ عام 1997، فسيتبيّن أن الهجرة باتت تمتص نسبة أقل من العاطلين من العمل، ولم تعد تمثّل صِمام «الأمان» الذي يمنع انفجار هذه الظاهرة. وهذا ما يفسّّر أيضاً سبب اتساع ظاهرة الأُجراء غير النظاميين أو العاملين في النشاطات الهامشية، الذين باتوا يمثّلون نسبة مقلقة تفوق 40 في المئة من مجمل الأُجراء في لبنان.
وبحسب أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، معضاد رحال، فإن البطالة في لبنان أنتجت ظواهر ثانوية، مثل ظاهرة العمل الهامشي (بائع خضر، ماسح أحذية، تجارة السيارات على الشوارع...) وأدت إلى حصول «هجرة أنثوية» إلى الخليج، ما أدى إلى تغيير سُلَّم القيم الاجتماعية لدى الأسر المحافظة، إذ بدأت الأسر تتقبّل هجرة الفتيات والعمل في الخارج بسبب الحاجات الاجتماعية الملحّة.

قدرة ملجومة

ويفسّر الخبير الاقتصادي ـــــ رئيس مؤسسة البحوث والاستشارات ـــــ كمال حمدان هذا التراكم في البطالة من زاوية اقتصادية بنيوية، مشيراً إلى عدم قدرة المؤسسات الاقتصادية في لبنان على استيعاب الوافدين إلى سوق العمل، لأن غالبية هذه المؤسسات «صغيرة ومتوسطة، و97 في المئة منها تشغّل أقل من 10 موظفين، وبالتالي فإن قدرتها على خلق فرص عمل جديدة ملجومة ومحدودة بسبب بنيتها الصغيرة».
ويعتقد حمدان أن السمة التي تلازم هذه الظاهرة دائماً في الاقتصاد اللبناني هي سمة الهجرة، أي إن هناك انطباعاً عاماً بأن الهجرة هي التي تخفف معدلات البطالة التي تمثّل «قنبلة موقوتة في بلد مقسوم على نفسه والسياسات الاجتماعية فيه غير فاعلة، ما يزيد هذه المشكلة وغيرها من المشاكل الاجتماعية المرتبطة بها. أضف إلى ذلك أنّ المؤسسات في لبنان هي مؤسسات طائفية والإعانات المقدّمة طائفية أيضاً...».
ويوافق رحال على وصف القنبلة الموقوتة، مشيراً إلى أنّ «قطع الموارد التي تؤمن الحاجات الأساسية للناس يؤدي إلى توترات، فالأزمة الاقتصادية في أوروبا أنتجت ثلاثة أنواع من العاطلين من العمل، ولكن معظمهم كانوا يعربون عن استعدادهم للمشاركة بعمليات انقضاض على النظام».
وقياساً على الحالة اللبنانية، يلفت رحال إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تقم بمحاولات جديّة لإيجاد حل جوهري ينشئ توازناً بين العرض والطلب في سوق العمل، ويرى أن اقتراح إنشاء صندوق تأمين ضد البطالة «ليس إلا حلّاً مؤقّتاً». ولكن حمدان يخالفه الرأي، إذ إن إنشاء نظام تأميني ضد البطالة يوضع ضمن ضوابط وشروط ومعايير محددة، بات مطلباً ملحّاً لتوفير الحد الأدنى من الحقوق لهذه الشريحة «حتى لا تكون بؤراً لمشاريع أمنية ــ إرهابية ــ طائفية، ووقوداً سياسياً».

مؤشّرات إضافيّة

وفي ظل غياب الاهتمام الرسمي ببناء قاعدة إحصائية موثوقة لرصد متغيّرات ظاهرة البطالة والهجرة، فإن مؤشرات ثانوية مهمة تعطي صورة، ولو جزئية، عن مدى تفاقم هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، بفعل السياسات الحكومية المعادية لأي بعد اجتماعي ـــــ تنموي. فقد سجّلت وزارة العمل في عام 2007 نحو 889 تحقيقاً في شكاوى عمالية من الصرف، و90 تحقيقاً في نزاعات عمل جماعية و465 تحقيقاً في دعاوى عمل ناتجة من الصرف من العمل، وأجرت نحو 27 وساطة عمل جماعية فقط. وهذه النزاعات تدلّ بوضوح على تكريس الاتجاه السهل لدى المؤسسات وأصحاب العمل، الذي يقوم على تخفيف الأعباء من خلال تقليص الوظائف أو الأجور أو إحلال العمالة الأجنبية محل العمالة اللبنانية نظراً للقبول «الثقافي» في لبنان لظاهرة استغلال العمال الأجانب وحرمانهم أي حماية.
وفي عام 2007 تقدّم نحو 10200 عامل من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لطلب التصفية المبكرة لتعويض نهاية خدمة بسبب ترك العمل، وذلك من أصل 15600 طلب تصفية مسجّلة في الصندوق، أي ما نسبته 65 في المئة وما يمثّل 5 في المئة من عدد العاطلين من العمل، فيما سجّل الصندوق في عام 2006 نحو 9072 طلب تصفية بسبب ترك العمل المبكر من أصل 14132 طلباً، أي ما نسبته 64.2 في المئة، في مقابل 63 في المئة لعام 2005. وهذه النسبة منذ ما بعد حرب تموز مستقرّة، وبالتالي يمكن الإشارة إلى أن غالبية تاركي العمل ينضمون في مرحلة ما ولفترة ما إلى البطالة.


132 مليون دولار

هي الكلفة السنوية لدفع تعويض البطالة بقيمة 200 دولار في الشهر لـ55 ألف عامل خسروا وظائفهم فعلياً


15 في المئة

هي نسبة البطالة المقدّرة في العام الجاري بحسب دراسة سينشرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قريباً


عناصر جاذبة وطاردةللكفاءات والعمالة عموماً