حيفا ــ فراس خطيبتوصية الشرطة الإسرائيلية لتقديم لائحة اتهام ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت كانت متوقعة منذ أيار الماضي، لكن ليس بهذه الحدة ولا بهذه الخطورة. قد لا تترجم التوصية كاملة في لائحة الاتهام المقبلة، لكنَّها بالتأكيد لن تبقى مجرد توصية، وحتى لو رفضت النيابة جزءاً منها، فإنَّها ستتبنى جزءاً آخر، وفي الحالتين النبوءة واضحة: شهور قليلة تفصل الإسرائيليين عن مشاهدة «رئيس الحكومة السابق» أولمرت في أروقة المحاكم متهماً بالفساد السلطوي.
وكانت الشرطة الإسرائيلية قد عقدت جلسات ماراتونية منذ يوم الخميس الماضي حتى ليل الأحد ـــــ الاثنين. وبعد جلسة استمرت خمس ساعات في المقر المركزي لها في القدس المحتلة، قرَّرت تقديم توصيتها بتقديم لائحة اتهام ضد أولمرت في قضية «المظاريف النقدية» التي عرفت بقضية موشيه تالنسكي، وقضية «الفواتير المزدوجة» التي تعرف أيضاً بقضية «ريشون تورز». وأعلنت أن أولمرت سيخضع لتحقيق إضافي في ملف «مركز الاستثمارات».
وأوضحت الشرطة، في بيان، أنَّ تالنسكي حوّل أموالاً لأولمرت بصورة غير قانونية منذ عام 1997، وأن أولمرت عمل في المقابل على دفع مصالح تالنسكي التجارية، مستغلاً منصبه وتأثيره وعلاقاته مع رجال أعمال يهود. أما في ما يتعلق بقضية الفواتير المزدوجة، فقد أوصت الشرطة باتهامه بالحصول على امتيازات بالغش والخداع وخيانة الأمانة، مبينة أنه في السنوات 2002 وحتى 2006، أي حتى بعد توليه منصب رئاسة الحكومة، جبى أولمرت تمويلاً فائضاً وأحياناً مضاعفاً من جهات ومؤسسات عامة لتمويل سفراته إلى الخارج له ولأفراد عائلته.
وأعلنت الشرطة الإسرائيلية، أمس، عزمها على تقديم صديق أولمرت وشريكه السابق في مكتب محاماة، أوري ميسر، إلى المحاكمة واتهامه بمساعدته على تلقي رشىً ومخالفات أخرى، بينها تبييض أموال والحصول على امتيازات بالغش والخداع.
وستنقل التوصية في هذه الأيام من الشرطة إلى المستشار القضائي للحكومة مناحيم مازوز، الذي سيطلع على مواد الشرطة، وسيمنح محامي أولمرت فترةً من جلسات الاستماع، ومن بعدها سيصدر قراره النهائي.
ولعل أكثر ما لفت الأنظار في توصية الشرطة قضية اتهام أولمرت بتلقيه الرشى في قضية تالنسكي. إلا أنّ المعلقين استبعدوا اتهامه نهائياً بالارتشاء. فعلى الرغم من الأدلة التي جمعها المحققون الإسرائيليون ضد أولمرت في تحقيقهم في الولايات المتحدة، إلا أنَّ الصعوبات والتعقيدات التي تحوم فوق القضية ستصعب إثبات هذه التهمة، وخصوصاً أن تالنسكي أعلن أنه لن يعود إلى إسرائيل لاستكمال الشهادة.
وقال مسؤول رفيع المستوى في النيابة، لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن «الشرطة تحب العناوين، ولكن من عليه أن يوضح الفجوات بين توصيات الشرطة وقرار النيابة العامة، هو نحن (النيابة)».
لكنَّ المعلقين الذين لم يكثروا من التعليقات السياسية، شددوا على أنَّ لائحة الاتهام ستكون أيضاً خطيرة حتى من دون بند الارتشاء. وقال المحلل القانوني لصحيفة «يديعوت»، بوعاز أكون: «حسناً فعل رئيس الحكومة عندما أعلن نهاية ولايته، وبهذا منع أزمة الثقة التي كانت ستحتل النظام في إسرائيل إذا بقي في وظيفته حتى إعلان المستشار القضائي للحكومة» عن قراره.
وقالت محللة الشؤون الحزبية في الصحيفة نفسها، سيما كيدمون: «يبدو أنه لم يسبق قط أن كانت الشرطة والنيابة العامة منسقتين خطواتهما ومتركزتين على الهدف مثل هذه المرة، وبكلمات أخرى، فإن احتمال أن يخرج أولمرت من هذه التوصية مع تقرير عام فحسب هو احتمال ضئيل». وأوضحت أن «هذا لن يحدث، فيما المستشار القانوني للحكومة والمدعي العام وضعا في هذا الملف هيبتهما المهنية. ويجب أن يحدث المستحيل لكي تعلن النيابة أنها ترفض التوصية، وذلك على الأقل لسبب بسيط وهو أن إعلاناً كهذا معناه أن كل ما فعلوه كان خاطئاً وأنهم سبّبوا بخطأهم إطاحة رئيس حكومة».
ورأى المحلل في «هآرتس»، أمير أورن، أنه «من الناحية القانونية، لم يتغير وضع أولمرت إلا قليلاً، فقد تحول من مشتبه به في التحقيق إلى مشتبه به مع توصية شرطة بانتهاء التحقيق، وهو لا يزال غير متهم». وأضاف: «لكن من الناحية العامة، يحظر على أولمرت البقاء في منصبه، ولو دقيقة واحدة أخرى».
وأشار المحلل السياسي في صحيفة «معاريف»، بن كسبيت، إلى أن «طريقة الحكم المتبعة هنا هي هدامة ومستحيلة ولا تسمح بإدارة السلطة واتخاذ قرارات وإعداد مخططات لأمد طويل». وأضاف أن «طريقة الحكم تُحوِّل كل شيء إلى شخصي، ولا أحد مستعد لأن يقبل بأن ينجح الآخر بشيء ما، و(وزير الدفاع أيهود) باراك لن يسمح لأولمرت بصنع سلام مع السوريين، لأنه يريد أن يصنع ذلك بنفسه، والجميع يجرون حساباتهم الشخصية».