بيروت بلا مسلخ حديث بانتظار تأمين الاعتمادات وحل الخلافاتنادر صباغ
منذ عام 2003 توافرت كل المتطلبات لإنشاء مسلخ آلي حديث لمدينة بيروت، جرى تحديد الموقع في منطقة الكرنتينا على قطعة أرض مملوكة للدولة، وأُمّن التمويل اللازم للمشروع عبر قرض ميّسر من جانب البنك الإسلامي للتنمية، وأنجزت الدراسات... لكن المشروع لم يبصر النور حتى اليوم، والأسباب سياسية بحتة، فضلاً عن تخوّف بعض أصحاب المسالخ الخاصة، التي انتشرت عشوائياً، من فقدانها دورها بقيام هذا المسلخ، بحسب الرئيس التنفيذي لنقابة اتحاد القصّابين وتجّار المواشي معروف بكداش، الذي يضيف إن «السبب الفعلي لعدم وجود مسلخ جديد وحديث لبيروت هو الخلاف السياسي والمناكفات التي كانت تجري بين الرئيسين لحود والحريري، والتي أدت في كل مرة كان يدرج فيها مشروع المسلخ على جدول أعمال مجلس الوزراء إلى حذفه من دون سبب».

مظاهر الكارثة الحقيقية

أكثر من مليون ونصف مليون شخص يعيشون اليوم ضمن بيروت الكبرى من دون مسلخ حديث، بل تنتشر عشرات المسالخ الخاصة (نحو 20 مسلخاً مرخّصاً و33 مسلخاً غير مرخص موزّعة بين منطقتي الفنار والشويفات) لا تطبّق غالبيتها أبسط الشروط الصحية والفنية المطلوبة كما يؤكد بكداش، فالكثير من «الذبحيات» تجري على نواصي الشوارع وجوانب الطرقات وفي المحال والدكاكين من دون حسيب أو رقيب.
أقل ما يمكن أن يقال عن مسلخ بيروت الحالي إنه كارثة صحية وبيئية بات ضررها على العاصمة والبلد عموماً يتفاقم لينذر بأزمة حقيقية تطال صحة المواطنين وأمنهم الغذائي.
لمن لا يعرف المسلخ، فهو عبارة عن هنغار من الحديد سقفه من الأترنيت وأرضيته من الباطون نفذ بشكل سريع ومؤقت عام 1994 ولم تراعَ فيه إطلاقاً الشروط الفنية الواجب توافرها لتنظيم المراحل المتعددة لعمل المسلخ، ومن دون عناء يمكن زوّار المسلخ الجزم بأنه ليس هناك أي مراقبة أو معاينة طبية مسبّقة لدخول الماشية إلى صالة الذبح، فالهنغار ينقسم إلى صالتين، واحدة للذبح وأخرى لعرض اللحوم وبيعها... الصدأ يظهر على جوانب الهنغار، ولا سيما في المستويات السفلية الموازية حيث تجري عمليات الذبح والسلخ... وفي الشتاء، تتسرب مياه الأمطار من الأسقف إلى الداخل، وتنتشر القوارض والجرذان بشكل كثيف في محيط المسلخ وبين أوساخ الفضلات التي تُرمى خارجه.
الطريقة التي تجري فيها عملية ذبح الماشية مأساوية مقزّزة، هي أقرب إلى التعذيب منها إلى القتل، تُضرب الأبقار للحد من حركتها، ثم تُشدّ، إما بواسطة اليد أو بواسطة السلاسل الوسخة لرميها على الأرض وذبحها... عمليات الذبح والسلخ والتجويف للأبقار والأغنام تجري في صالة واحدة، والذبح يجري على الأرضية الباطونية حيث تسيل الدماء في كل مكان لتختلط بالمياه المبتذلة التي لا تستوعب تصريفها المجاري فتنتشر الروائح والغازات القذرة لتلوِّث اللحم الطازج... أما النفايات، فيجري رميها وطمرها أو حرقها في عقار مجاور للمسلخ.
التعقيم أمر لا يعرفه المسلخ على أي مستوى كان، إذ لا يوجد إطلاقاً أي نوع من أنواع التعقيم للمعدّات أو للعمّال أو لثيابهم أثناء قيامهم بعمليات الذبح والسلخ والتجويف والنقل، بل إن العمال الذين يقومون بهذه الأعمال ليسوا عمال المسلخ أصلاً بل هم عمّال يورّدهم التّجار لذبح ماشيتهم، دون مراعاة أبسط قواعد النظافة.
اللحوم بدمائها على أكتاف العمّال تتبختر من صالة إلى أخرى دون مرورها بأي غرفة تبريد، إذ ليس هناك غرف مراقبة أو مختبرات للمعاينة البيطرية للّحوم قبل نقلها إلى صالة البيع، كذلك ليس هناك تجليد للحوم المشكوك فيها، كما يجري ختم اللحوم من جانب عامل ضجر من الانتظار دون أية مراقبة جدية، في وقت يجول فيه في أرجاء المكان رجلان يلبسان «روبَين» يفترض بلونهما أن يكون أبيض، قيل إن أحدهما الطبيب البيطري المناوب المسؤول عن صحة الناس وسلامة غذائهم.

أين المسلخ الحديث؟

إزاء هذه الصورة القاتمة، التي تدفع للزهد باللحم وأكله، كان من المفترض أن يقوم منذ أكثر من خمس سنوات مسلخ مركزي حديث لبيروت الكبرى على موقع ملائم في آخر منطقة الكرنتينا بعيداً عن التجمعّات السكنية وأملاك المؤسسات الدينية والدنيوية التي اعترضت أولاً على المكان، ثم عادت ووافقت عليه بعدما اطّلعت على دراسات التنفيذ ومراعاة الشروط البيئية.
الموقع المفترض للمسلخ الجديد كما يؤكد بكداش «مناسب لناحية استقبال المواشي من المرفأ لقربه من تجمع مزارع المواشي لحوالى 15 مزرعة في منطقة الشويفات، ولنحو 10 مزارع بمنطقة الفنار، كذلك يؤمّن هذا الموقع مصالح عدد كبير من تجّار المواشي والعاملين في هذا القطاع كنقطة وسطية حيادية للجميع، إذ إن الطرق المؤدية إليه ترتبط مباشرة بمواصلات بيروت الإدارية والجبل والجنوب والشمال».
ما يميّز مشروع مسلخ بيروت الآلي الجديد أنه يشمل زرائب حديثة وصالات للعرض والبيع بالجملة تمتد على زهاء 5000 متر مربع، وغرف برّادات تتّسع لنحو 3000 رأس غنم و700 رأس عجل، كما أن المشروع مجهّز بمختبرات كاملة تراعي الشروط الصحيّة والبيئية على غرار ما يجري في المسالخ الحديثة المنشأة في وسط مدن أوروبية، كبروكسل وباريس وغيرها، إضافةً إلى سوق حديثة لبيع السمك.
الجدير بالذكر أن منطقة بيروت الكبرى تستهلك سنوياً نحو 60 في المئة من الاستهلاك المحلي للحوم، ولا يلبّي المسلخ الحالي 30 في المئة من هذه النسبة، وقد بيّنت دراسات وضعت أخيراً عن مشروع المسلخ الحديث أن قدرته الإنتاجية خلال السنوات العشرين المقبلة ستصل إلى معالجة 600 رأس عجل كل ست ساعات، وفي الوقت عينه 3000 رأس غنم.
مسلخ بيروت المركزي الحديث، فصل جديد من فصول معاناة العاصمة الذاهبة إلى اختناق اقتصادي يتفاقم وقد ينفجر في أي لحظة.


1.3% زيادة سنوية

أظهرت دراسة أعدّها البنك الدولي أن استهلاك لبنان من الأبقار سيبلغ عام 2010 نحو 268 ألف رأس، تستهلك منطقة بيروت الكبرى منه نحو 161 ألف، بينما سيبلغ استهلاك لبنان من الأغنام نحو مليون ومئة ألف رأس من الأغنام، حصة بيروت الكبرى منها 660 ألف رأس


مجلس الإعمار لا يعلم!