Strong>16 قتيلاً في هجوم انتحاري على السفارة الأميركيّة في صنعاءلم يكن الهجوم الذي استهدف السفارة الأميركية في صنعاء، أمس، هجوماً عابراً في بلد يشكّل عمقاً استراتيجيّاً لتنظيم «القاعدة»، حيث مسقط رأس أجداد أسامة بن لادن. هجوم بدا محاولة التفاف على التعاون الأمني بين السلطات اليمنية والإدارة الأميركية

معمر عطوي
يندرج الهجوم الذي استهدف السفارة الأميركية في صنعاء أمس، والذي أدى إلى سقوط 16 قتيلاً على الأقل، في سياق سلسلة من الهجمات الناجحة والفاشلة التي نفذها إسلاميون في اليمن منذ تشرين الأول 2000، حين ضُربت المدمرة الأميركية «يو. أس. أس. كول» في ميناء عدن وقتل فيها 17 بحّاراً أميركياً.
ربما تختلف التسميات، لكن منفّذي الهجمات يشربون جميعاً ـــ على ما يبدو ـــ من معين تنظيم «القاعدة»؛ فقد أعلنت مجموعة «الجهاد الإسلامي في اليمن» مسؤوليتها عن هجوم انتحاري أمس. وقالت وزارة الداخلية إنه أسفر عن سقوط 16 قتيلاً، هم ستة مهاجمين وستة من رجال الأمن وأربعة مدنيين، فيما أعلن مسؤول أميركي أن جميع الموظفين الأميركيين قد نجوا.
واللافت أن السفارة نفسها قد تعرضت لهجوم «فاشل» في 18 آذار الماضي، بقذائف الهاون تبنته مجموعة «كتائب جند اليمن»، وهي الفرع المحلّي لتنظيم «القاعدة».
أما عن سبب استهداف السفارة الأميركية دون غيرها، فيمكن القول إن أحد هذه الأسباب على صلة بالاتفاقات الأمنية اليمنية ـــــ الأميركية، التي تعزّزت الأسبوع الماضي بحضور مساعد وزير الدفاع مايكل فيكرز الى صنعاء، حيث أجرى مع رئيس هيئة الأركان العامة اليمني أحمد الأشول، وقائد القوات الخاصة أحمد علي صالح، ابن الرئيس علي عبد الله صالح. مباحثات تطرقت إلى التعاون القائم مع الحكومة اليمنية بشأن عودة اليمنيين المعتقلين في غوانتانامو (ما يقارب 100 سجين)، و«الجهود الرامية لمكافحة الإرهاب»، حسبما أكد فيكرز، الذي ثمّن بدوره العمليات التي قامت بها أخيراً السلطات اليمنية، «التي أحبطت تهديدات إرهابية خطيرة» في البلاد.
وبدا التدخّل الأميركي مستفزّاً لـ«القاعدة»، من خلال تصريحات فيكرز، الذي أشار إلى «الحاجة إلى تبنّي تشريعات قانونية فاعلة لمكافحة الإرهاب في اليمن واتخاذ تدابير أخرى كفيلة بحرمان الإرهابيين الدوليين من اتخاذ اليمن كملاذ آمن لهم». أمّا بخصوص قضية المعتقلين اليمنيين في غوانتانامو، فإن ذلك يعود الى شباط عام 2004، حين تلقّت صنعاء قائمة من واشنطن بأسماء 107 معتقلين على الجزيرة الكوبية، وتم الحديث عن مباحثات جارية لتسليم بعضهم الى بلدهم.
بيد أن العلاقات الثنائية، ليست وليدة هذه التطورات التي نشأت بعد أحداث 11 أيلول، والتي عزّزها صالح بزيارة قام بها الى الولايات المتحدة بعد شهرين من الزلزال الذي هز واشنطن ونيويورك. تلاها انضمام صنعاء إلى الحرب على «الإرهاب». غير أن التعاون الأمني بين الجانبين بدأ منذ عام 1996، حين باشرت سفن الأسطولين الخامس والسادس الأميركية زياراتها الروتينية لميناء عدن، تحت عنوان «تسهيلات تجارية». بعد ذلك انخرط البلدان في برنامج تعاون أمني، تضمّن تدريب المئات من رجال الشرطة اليمنية على مكافحة الإرهاب. وكانت أول مناورة عسكرية مشتركة في آذار عام 1997.
في المقابل، باتت المنظمات الإسلامية تتحرّك بشكل يبدو مريحاً، رغم كل الإجراءات الأمنية حول السفارات في صنعاء، وقرار الحكومة الأميركية منذ نيسان الماضي تقليص بعثتها الدبلوماسية في اليمن.
مناخات عزّزتها تهديدات صدرت قبيل بدء شهر رمضان، عن مجموعات جهادية، باستهداف سفارات بريطانيا والسعودية والإمارات هناك.
وفي الواقع، إن لعبة الانتقامات بين الاستخبارات الأميركية وتنظيم «القاعدة» في اليمن بلغت ذروتها، ولا سيما أن هذا التنظيم كان قد فقد أحد أهم قياداته (ثنيان الحارثي)، الذي قتل في غارة أميركية على سيارته في تشرين الثاني 2002 في قلب اليمن.
إلا أن نشاط التنظيم، الذي مرّ بمرحلة ركود بعد 11 أيلول 2001، عاد الى الضوء مجدداً منذ فرار قائده في اليمن، ناصر الوحيشي (أبو بصير)، من سجن يمني في بداية عام 2006.
ولطالما حذّر المسؤولون الأميركيون من «خطورة» اليمن كأرض خصبة للإسلاميين؛ عبّر عن ذلك الرئيس جورج بوش، الذي اتصل أمس بصالح لتعزيته، بمناسبة مرور ستة أشهر على تفجيرات مركز التجارة العالمي، بقوله «الولايات المتحدة تسعى لإنقاذ اليمن من التحوّل الى أفغانستان ثانية».
وبحسب مسؤول استخباري أميركي، فإن اليمن، وخصوصاً محافظتي مأرب وحضرموت، يوفّر قاعدة لوجستية لـ«المجاهدين» في أفغانستان والعراق وشرق أفريقيا والشرق الأقصى.
لذلك بدا اليمن، الخارج من حرب ضد المتمردين الحوثيّين في شماله، ساحة هجمات شرسة لـ«القاعدة» في الأشهر الأخيرة، وساحة عمليات أمنية متقدّمة لواشنطن والغرب.