«اللبنانيون غير متساوين» بقرار من مجلس الوزراءبذل وزير الطاقة والمياه ألان طابوريان ما بوسعه لإرساء العدالة الكهربائية بين المناطق، تطبيقاً للبيان الوزاري، إلا أن مجلس الوزراء أجهض مساعيه أمس، وقرر الإبقاء على التمييز لمصلحة بيروت الإدارية

اتخذ مجلس الوزراء في جلسته أمس قراراً يمعن في مخالفة «الدستور» و«البيان الوزاري»، فقضى بالإبقاء على التمييز الكهربائي لمصلحة «بيروت الإدارية» على حساب بقية المناطق، ولم تنفع محاولات وزير الطاقة والمياه ألان طابوريان لثني الوزراء عن الموافقة على هذا القرار، بل لم يجد نصيراً له في الجلسة إلا وزير الاتصالات جبران باسيل، فيما تبارى الآخرون في سرد «الضرورات التي تبيح المحظورات» لتبرير هذا التمييز... علماً بأن كل المبررات التي تم سوقها في هذا المجال، تنطبق على جميع المناطق من دون استثناء، ولا سيما المبررات الأمنية، إذ إن بيروت الإدارية ليست وحدها التي تعاني من وضع أمني سيئ، فما هو وضع طرابلس أو عكار أو الكورة أو البقاع أو الجبل أو الجنوب؟ بل ما هو الوضع الأمني في المناطق المتلاصقة مع النطاق الإداري لبيروت، التي تشكّل ما يسمى «بيروت الكبرى»، والتي يطالها التقنين الكهربائي كغيرها من المناطق المحرومة من نعمة الامتياز.

تطويق طابوريان بمزاعم مغلوطة

وقال الوزير طابوريان بعد الجلسة «عملت يللي فيّي اعملوا... بس مجلس الوزراء ألزمني بقرار لا يراعي أبسط مبادئ العدالة بين المواطنين»... وبالفعل تقاطعت معلومات «الأخبار»، المستقاة من أكثر من وزير شارك في الجلسة، أن طابوريان بقي مصرّاً على مبدأ تطبيق البيان الوزاري لجهة النص الوارد فيه والذي تعهدت الحكومة من خلاله بمساواة جميع المناطق في توزيع الطاقة الكهربائية، إلا أن رئيس مجلس الوزراء وعدداً من الوزراء، ولا سيما الوزير جان أوغاسبيان، تولّوا عملية تطويقه، متسلّحين بمزاعم غير دقيقة تفيد بأن زيادة التقنين في العاصمة يمكن أن تعكّر الأمن فيها، فضلاً عن أن مؤسسة كهرباء لبنان ستتكبد المزيد من الخسائر المالية من جراء خفض حصة بيروت من الكهرباء، لأن استهلاك القاطنين فيها أعلى من المناطق الأخرى... وقد رد طابوريان على الحجّة الأخيرة، موضحاً أن فواتير المشتركين في خارج بيروت تتدنى قيمتها لأنهم لا يحصلون على حصة كبيرة من الكهرباء الموزّعة، كما إن قيمة الدعم الذي توفّره الدولة لكل مشترك تزداد كلما ازداد استهلاكه من الطاقة التي يحصل عليها من مؤسسة كهرباء لبنان، وبالتالي فإن التمييز لا يقتصر على ساعات التقنين، بل على مقدار الدعم المالي أيضاً، وبالتالي لا يجوز أن يتحمّل كل اللبنانيين عبء الضرائب والرسوم، فيما المقيم في بيروت يحصل على دعم مضاعف بالمقارنة مع المقيم خارجها، علماً بأن المقيم في بيروت لا تترتب عليه كلفة المولّد الخاص، بينما يتكبد الآخرون الفاتورة الثانية، فضلاً عن الفواتير البيئية والصحية الكبيرة.
وكان الوزير طابوريان قد طلب من مؤسسة كهرباء لبنان تطبيق برنامج عادل لتوزيع الكهرباء اعتباراً من 15 الشهر الجاري، إلا أن مجلس الإدارة الذي يضم مناصرين لتيار المستقبل أعاق تنفيذ القرار لأسباب سياسية، في الوقت الذي بادر فيه بعض النواب في بيروت إلى شن هجوم مركّز، مدرجين «المساواة» بين المواطنين في إطار استكمال الأحداث الأمنية التي اندلعت في 7 أيار الماضي، ما استدعى اتصالات بين طابوريان ورئيسي الجمهورية والحكومة أفضت إلى طرح هذا الموضوع على طاولة مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال... وبعد سجال طويل في جلسة أمس تم اتخاذ القرار باستثناء بيروت من التقنين ما عدا لمدة ثلاث ساعات يومياً، أي أنها ستحظى بتغذية كهربائية لمدة 21 ساعة يومياً، بالمقارنة مع 14 ساعة يومياً في بقية المناطق.

كبارة يواجه نواب بيروت

وكان النائب محمد كبارة قد استبق الجلسة وأعلن دعمه لقرار وزير الطاقة في تغذية كل المناطق اللبنانية بالتساوي، وقال «من عجائب لبنان أن تنقلب المقاييس والمعايير فيه، فما كان سائداً ومتعارفاً عليه هو أن ينادي المحرومون بالمساواة، لكن المفارقات الكبرى التي نسمعها اليوم تجعلنا مدهوشين إلى تلك الخطابات والحملات من أجل المطالبة بالتمييز الذي لا يقل عن ذلك التمييز العنصري الذي كنا نظن أنه من زمن بائد. هي المرة الأولى التي يتخذ فيها وزير للطاقة الكهربائية في لبنان قراراً بالمساواة بين اللبنانيين عبر إلغاء الاستثناءات التي كانت تطبق خصوصاً في مدينة بيروت ومناطق الاصطياف، ومساواة كل المناطق اللبنانية في التغذية بالتيار الكهربائي. فإذا بنا نسمع من البعض حملة عنيفة عليه وكدنا نعتقد بأنه ارتكب جريمة العصر عندما قرر إلغاء التمييز بين اللبنانيين، وعندما طبق قاعدة الظلم بالسوية للعدل بين المناطق والمواطنين الذين حرموا من الكهرباء لحساب بيروت ومناطق الاصطياف في الأشهر الماضية.غريب هو ذلك المنطق الذي يعتبر أن المساواة بين اللبنانيين هي امتداد لـ 7 أيار وهي انتقام من بيروت لمواقفها السياسية، وأعتقد أن أصحاب تلك المقولة يتناسون أن طرابلس وعكار والضنية ليست هي التي اجتاحت بيروت في 7 أيار».

...وعيتاني ضد العدالة

وأصدر النائب محمد الأمين عيتاني بياناً رأى فيه «أن قرار طابوريان، يشكل استمراراً لأحداث أيار، ولكن بأيد حليفة مشحونة بالحقد على بيروت ومرجعيتها السياسية، وكأن قرار الوزير يغرد خارج سرب أجواء المصالحة... ويصب في مصلحة الخفافيش المصرة على تعكير صفو الأمن في ليالي بيروت».
وأشار عيتاني إلى تمركز النشاطات كلها في بيروت كمبرر لتمييزها، محاولاً غش الرأي العام إذ إن بيروت الكبرى حيث تتمركز معظم النشاطات ليست هي المقصودة بالاستثناء والتمييز، كما إن هذه الحجة الواهية تتناقض مع مبدأ الإنماء المتوازن الذي يقتضي العمل من أجل إبقاء الناس في مناطقهم وقراهم لا جعل حياتهم جحيماً خارج بيروت، وتشجيعهم للنزوح إليها توفيراً في الأكلاف.


400 ميغاواط

هي حصة بيروت الإدارية من مجمل الطاقة الكهربائية الموزّعة البالغة 1350 ميغاواط، علماً بأن العجز بين الإنتاج والطلب يبلغ حالياً أكثر من 500 ميغاواط، وهو ما يؤدّي إلى زيادة التقنين.


النقابة تساند الوزير