بغداد ــ زيد الزبيدي الاعتراضات الكرديّة على تجهيز الجيش العراقي بأسلحة حديثة أقامت التاريخ من تحت القبور، لتذكّر العراقيين بأنّ اندحار نظام صدام حسين لم يؤدِّ إلى طيّ صفحة الماضي الدامي بين العرب والأكراد. فكيف يمكن لشعب واحد متعدد القوميات والطوائف أن يعيش في خوف دائم من أن يبيده شقيقه عن طريق جيشه الوطني؟
سؤال بريء لا يرى جزء كبير من العراقيين أنّه يُطرَح في مكانه، بما أنّ قناعة راسخة تسود عقول طيف كبير منهم مفادها أنّ محاولات إعاقة تسليح الجيش هدفها الحقيقي إبقاء الاعتماد على الاحتلال إلى ما لا نهاية، وليس الخوف الحقيقي من ذكريات الماضي، عندما استخدم الجيش القمع الدموي ضدهم.
ويرى كثر أنّ موضوع تسليح الجيش ليس الوحيد الذي أعاد صورة العداوات العربية ـــــ الكرديّة إلى الواجهة في الفترة الأخيرة: قبله كان (ولا يزال) قانون النفط، ثمّ انتخابات كركوك ومساعي الأكراد توسيع رقعة إقليمهم على حساب حكومة المركز...
وفي السياق، يشير الجنرال المتقاعد طارق عبد الكريم إلى أنّ الجيش لم يستخدم داخلياً إلا في مرات محدودة جداً، وخاصة عندما فقد صدام زمام الأمور، جرّاء تدخلات خارجية في أعقاب حرب 1991، التي كانت نتائجها في السياسة لمصلحة الأكراد، وخصوصاً في إنشاء «المحمية الأميركية» في شمال البلاد. ويذكّر عبد الكريم بأنه حتى حين استُخدم الجيش لضرب الأكراد، كانت الأسلحة السوفياتية المورّدة إلى العراق، «مشروطة بعدم استخدامها في عمليات داخلية، ما أدى الى وقف الإمدادات السوفياتية، ولجوء النظام السابق إلى التسليح الغربي، ولا سيما من الولايات المتحدة وفرنسا»، ما يعني أنّ العمليات في شمال العراق حصلت بدعم غربي، ومن الحلفاء الحاليين للأكراد.
وبشأن الاعتراض على تزويد العراق بطائرات «أف 16» المتطورة، يشدّد القيادي السابق في قوات «البشمركة»، صالح يونس، على أن هذه الطائرات «غير صالحة للقتال الأرضي، واستخدامها محصور بالضرب من بعيد، وفق معلومات استخبارية دقيقة، وتصوير المواقع المستهدفة بالأقمار الاصطناعية». ويدعّم يونس «نظريته» بالإشارة إلى أنّ طائرات «الميغ» و«السوخوي» السوفياتية، لم تكن ذات تأثير كبير على البشمركة في 1991، الذين كانوا يفلتون منها بسهولة بسبب سرعتها وعدم قدرتها على المناورة في القتال الأرضي، التي كانت تختص بها مروحيات «هوكر هنتر» البريطانية.
كذلك يرى يونس أنّ المعلومات المتسرّبة عن صفقة الطائرات تفيد بأنّ الجانب الأميركي عبّر عن عدم ثقته بالأكراد، أو أي جهات لها علاقات مع إيران، «لأنهم قد يسرّبون أسرار هذه الطائرات. لذا، جرى اختيار دقيق للطيارين الجدد والمهندسين الذين يتدربون الآن في أميركا على هذه الأسلحة الحديثة، ولعل هذا هو السبب الرئيس في الاعتراض الكردي».
ومن كلام يونس، يمكن طرح إمكان أن يكون الاعتراض الكردي على التسليح الحديث نابع من عامل نفسي يعود إلى عدم إشراك بعض الأطراف في الموضوع، ما يؤشر إلى ضعف ثقة الأميركيين بتلك الأطراف، أو «انتهاء صلاحيتها»، وهذا ما يثير المخاوف لديها.
يبقى سؤال أخير يطرحه المراقبون وهو: أين ذهبت ترسانة الجيش السابق الذي كان يُعدّ خامس أقوى جيش في العالم؟ ولماذا لا يكشف التحالف الكردستاني أو الاحتلال عن مصير الدبابات التي كان يملكها الجيش، وغيرها من الأسلحة التي كانت موجودة في القاطع الشمالي، ونقلت إلى إقليم كردستان بعد 9 نيسان 2003؟