ارتباك الحكومة ضرب سياسة «كلو تمام» المعتمدة إزاء الكوارثوائل عبد الفتاح
في لحظة الإعلان عن عصابة قطاع طرق حدودية خطفت مغامري السفاري في الصحراء الغربية، كانت صخرة جديدة تسقط على الدويقة أول من أمس.
صحيح أنّه لم يسقط ضحايا هذه المرة، غير أنّ الحادثة رفعت معدل الرعب من سقوط جبل المقطم. وكان سكان المقطم نفسه يتحدثون برعب عن مصير الهضبة بعد قرار غامض من الحكومة بوقف البناء والإنشاءات عقب سقوط الصخرة الاولى. الحكومة لم تهتم باستدعاء رصيدها من علماء الجيويولجيا والعمارة وإعداد تقرير علمي يطمئن السكان. أصلاً الحكومة تشكّك في قدراتها وتستسلم لردود انفعالية، كما حدث مع تقرير الخارجية الاميركية عن الحريات الدينية. حينها، تركت جنودها في الصحافة يشنّون حملات شتائم ولم تهتم بالرد العلمي على الاتهامات أو بحل معضلة الأقليات الدينية. التفكير هو فقط في تكوين جبهة دفاعية تقول دائماً «كلو تمام» بعد وقوع الكارثة.
ظهر قطاع الطرق على الحدود، بينما تهل السحابة السوداء فوق سماء القاهرة. عشر سنوات وسحابة كثيفة تخنق الناس ولا أحد يعرف أسبابها، ولا جهاز من أجهزة الدولة فكر في توقيف مرورها السنوي.
كل تصريحات الحكومة لا تطمئن الناس. الشائعات تنطلق في كل مكان وتتحدث مرة عن نفايات نووية، ومرة عن صفقة غامضة صاحبها «مسؤول كبير». لكن السحابة ظلّت تظهر وتختفي، حتى أصبح لحركتها بعد خرافي وأصبحت تجسيداً لحالة أقوى من الغموض السياسي.
الكوارث المتتالية تشير الى أمان غائب، وهو ما يرفع درجة الانزعاج من أي حادثة «عادية» أو «أكبر من عادية» الى مصاف الكوارث. هذا ما حدث مع ظهور عصابة قطاع الطرق. وزارة الداخلية اهتمّت أولاً بتأكيد أنها «ليست عملية إرهابية»، متناسية أن الخطف إرهاب، سواء كان جنائياً أو من فعل جماعات أصولية.
لكن اختطاف السياح هو اعتداء على سيادة الدولة أولاً من ناحية، وتهديد لأرواح 19 رهينة. غير أن إخلاء المسؤولية ونفي عودة شبح «الإرهاب» هو الهدف وليس إدارة الازمة. على كل حال، هي سمة حكومة تسيير أعمال ليس لديها استراتيجية ولا تعتمد على مواجهة المشكلات بل نفيها على الدوام.
قد يكون هذا هو سبب ارتباك وزير الخارجية أحمد أبو الغيط. وكي يتخلص من ضغط نفسي يلازمه في نيويورك، تعلق بوهم خادع تسرب إليه من جهة ما، وأعلن أن الازمة انتهت وتم تحرير الرهائن. كيف؟ وبأي طريقة؟ ومن دفع الفدية؟ أسئلة بلا أجوبة دفعت وزير السياحة زهير جرانة ومسؤولي محافظة الوادي الجديد الى إغلاق هواتفهم لتفادي الإحراج.
تحتاج الحكومة إلى درس في إدارة الازمة، والتقاط الإشارات التي يعكسها حادث اختطاف يتعلق بـ3 عناصر خطيرة: سيادة الدولة وهيبتها وقدرتها على حماية زوارها الاجانب.
رئيس الحكومة أحمد نظيف لم يهتم بإصدار بيان شامل باعتباره مدير السلطة التنفيذية. فالكارثة لا تقلق، والحكومة مع رئيسها جالسون في مقاعدهم بالرضى السامي. ونظيف على وجه خاص، هو نموذج لصورة الموظف المتفاني في خدمة... رؤسائه.
رئيس حكومة تكنوقراطي لا يعرف فنون إدارة الأزمات، ويستسلم لارتباك حكومته كلها أمام عصابة قطاع طرق.
أبو الغيط فاقد لمزايا قديمة (خبرة سياسية في إدراة الجماهير ودغدغة مشاعرها مثل مصطفى النحاس أو حتى فؤاد محيي الدين)، ولا جديدة (صاحب خطة في الإصلاح الاقتصادي مثل الدكتور عاطف صدقي أو عبد العزيز حجازي). قالت مصادر إنها ليست الحادثة الاولى من نوعها، وإنّ أخبار الخطف تختفي لأن مصدرها الوحيد هو الامن المصري، والموضوع ينتهي دائماً في حدود «السرقة» في أسلوب أمني ممل في إنكار وقوع الحادث. ولولا أن مختطفاً من المجموعة الايطالية تكلم هاتفياً مع زوجته والتقطت منه وكالة إيطالية الحكاية، لما كانت مصر أعلنت الخبر ولظلت حالة الإنكار سائدة.
الإنكار أسلوب أمني. وهو المعتمد في دولة بوليسية تتحرك بهواجسها لا بدافع تطوير قدراتها على المواجهة، وهذا ما يجعل مؤشر ظهور عصابات قطاع الطرق، حادثاً خطيراً يكشف عن فلتان هذه المنطقة من الحدود المصرية عن السيطرة. كما أن فرض سيطرة العصابات على هذه المنطقة، يشير الى إمكان سيطرة جماعات تستهدف الاستيلاء على السلطة بسهولة عبر شراء الولاء... وعندها يتحول قطاع الطرق الى «مجاهدين سياسيين» في غضون لحظات قليلة.
قطاع طرق الحدود سرقوا الحقوق الضائعة. هذه صورة رائجة بين قطاعات محرومة من نعيم ثروات تسبح فيها شريحة ضيقة من المجتمع، وأصبحت مثار جدل كبير حول المال الذي تحميه السياسة. أثرياء من هذا النوع هم «قطاع طرق أنيقون يظهرون بجوار الحكومة ويديرون السياسة» كما قال محام متابع لقضايا الفساد.
الأخطر أنّ قطاع الطرق من النوع الأنيق أفقدوا الدولة مناعتها، فأُصيبت بالعجز الكامل في مواجهة الأزمات الكبيرة والصغيرة، وها هي الدولة أسيرة عصابات سرية، تربكها عملية تقليدية لعصابة عابرة للحدود!