يشكو مزارعو البطاطا البقاعيّون من تمييز «سياسي» في دفع التعويضات، فيما يواجهون تشدداً واستنسابية في تصريف الإنتاج في السوق السورية، فضلاً عن المشكلات التقليدية لجهة ارتفاع الأكلاف وزيادة العرض وانخفاض الأسعار
البقاع ــ نقولا أبو رجيلي
لم يسلم القطاع الزراعي من حال الانقسام الحاصل في البلد، فبعدما قام تيار المستقبل بمسح جزئي للأراضي المزروعة بالبطاطا في البقاعين الأوسط والغربي، وسدد تعويضات مالية لحوالى 180 مزارعاً فقط بقيمة إجمالية بلغت حوالى 3.4 مليارات ليرة، برزت مطالب في البقاع الشمالي تدعو إلى مبادرات مماثلة، لكي لا يبقى هناك مستويان في التعامل مع مصائب المزارعين.
إلا أن مشكلة التمييز في دفع التعويضات «السياسية» ليست هي المشكلة الكبرى التي يواجهها مزارعو البطاطا اليوم، فقد لاحت في الأفق بوادر تجدد أزمة تصدير البطاطا إلى الأسواق السورية من خلال التأخير في إنجاز معاملات إدخال بعض الشاحنات المحمّلة بالبطاطا، ما فُسّر بأنه إجراء استنسابي، إذ إن شاحنات أخرى تمرّ بسهولة عبر الحدود.

عرقلة وتسهيلات

وتشير معلومات لدى التجار والمزارعين في البقاع إلى أن بعض الشاحنات التي تخرج عبر نقطة الجديدة الحدودية تبقى لأكثر من أسبوع، بسبب إجراءات مشددة تتخذها الجمارك السورية، والتي تطالب بإبراز شهادات من وزارة الصحة اللبنانية تثبت خلو البضاعة من مرض العفن البني، وأخرى من غرفة الصناعة والتجارة اللبنانية، ما يزيد من كلفة النقل بحوالى 80 ألف ليرة على الطن الواحد، وبالتالي مضاعفة السعر ليصبح 160 ألف ليرة، فإذا فشل المصدّر في تأمين الشهادات المطلوبة تتعرض بضاعته للتلف، أمّا إذا نجح في تأمينها فإن أسعاره تصبح غير تنافسية، وفي الحالتين يتعرّض لخسائر فادحة.
في المقابل، تشهد الحدود البرية تسهيلاً لمرور شاحنات أخرى بأقل من 24 ساعة، وأحياناً من دون إبراز المستندات المطلوبة، وكذلك الأمر بالنسبة لنقطة حدود القاع الشمالية، التي ينحصر فيها إدخال شاحنات معينة دون غيرها، بحسب ما تتداوله الأوساط!

البطاطا مكدّسة في البرادات

وبالعودة إلى أسباب ما يحدث على هذا الصعيد، فإن أكثر من 40 ألف طن من أصل حوالى 70 ألف طن من البطاطا المبردة لا تزال مكدسة في برادات البقاع، إذ إن التجار والمزارعين في البقاع كانوا قد خزّنوها خلال موسم قلع البطاطا «البكير» قبل حوالى الشهرين. وجاء تخزين هذه الكميات الكبيرة هذا العام بالمقارنة مع الأعوام السابقة نتيجة تدنّي الأسعار في حينه، لأسباب عدة منها: عدم قدرة الأسواق المحلية على استهلاك الكميات الباقية من البطاطا المحلية، وارتفاع كلفة النقل الخارجي، والمنافسة التي تشهدها المنتجات اللبنانية في الأسواق العربية... ويتخوّف المزارعون في البقاع حالياً من تفاقم الأزمة مع اقتراب موسم قلع البطاطا «اللقيس» الذي يبدأ في منتصف شهر تشرين الأول.
ويقول أمين سر نقابة المزارعين والفلاحين في البقاع عمر الخطيب لـ«الأخبار» إن بقاء الوضع على حاله سيؤدي إلى مزيد من الخسائر تطال القطاع الزراعي برمّته لكون زراعة البطاطا هي العمود الفقري الذي يعتمد عليه المزارع البقاعي للنهوض من الأزمات المتتالية، التي أنهكته في السنوات الأخيرة نتيجة حرب تموز 2006، والكوارث الطبيعية التي ألحقت أضراراً فادحة بالإنتاج الزراعي، مذكّراً المعنيين بأنهم لم ينفّذوا الوعود بتعويض المتضررين عن خسائرهم من جراء المشكلات المتعاقبة.
وعن أسباب الأزمة الحالية، أشار الخطيب إلى عوامل عديدة أهمها السماح باستيراد كميات كبيرة من بذار البطاطا الأجنبية في بداية الموسم، أضيف إليها البذار البلدي ما ضاعف من المساحات المزروعة بالبطاطا، وارتفاع كلفة الإنتاج بنسبة 35 في المئة، وكثرة العرض، وتعويم الأسواق المحلية بكميات فاقت القدرة على تصريفها أو استهلاكها، إضافة إلى انخفاض الأسعار إلى ما دون كلفة الإنتاج، إذ ارتفعت كلفة إنتاج كيلو البطاطا إلى 450 ليرة، فيما يباع في الأسواق المحلية بـ250 ليرة، وكذلك عدم تأمين أسواق خارجية أوروبية وخليجية.

خسائر بـ 5 ملايين دولار

كل هذه العوامل، بحسب رأي الخطيب، اضطرّت معظم المزارعين والتجار إلى تخزين حوالى 70 ألف طن في البرادات التي امتلأت غرفها بكميات مضاعفة بالمقارنة مع الأعوام السابقة، وأضاف الخطيب أن كل ذلك لم يخفف من الخسائر التي ازدادت بعد إضافة مبلغ 125 ألف ليرة على كل طن مخزّن، تشمل 50 دولاراً (تبريد لمدة 3 أشهر و20 دولاراً عن كل شهر إضافي)، ومصاريف نقل وأجرة عمال وثمن أكياس، ويضاف إلى ذلك انخفاض وزن البضاعة من جراء عملية التبريد التي تباع حالياً بأسعار مماثلة لما كانت عليه في موسم القلع (بين 300 ليرة و350 ليرة)، وقدّر الخطيب خسائر الكميات المبردة بحوالى 5 ملايين دولار تضاف إلى الخسائر السابقة، مطالباً المعنيين بالعمل على إيجاد أسواق خارجية والتخفيف من الإجراءات التي تتخذها السلطات السورية والأردنية لتسهيل عبور الشاحنات المبردة عبر أراضيها إلى الدول العربية.