لخص المحلّل السياسي لصحيفة «معاريف»، عوفر شيلح، مأزق رئيس الحكومة إيهود أولمرت منذ تسلّمه مهماته إلى إعلان تنحّيه، مضيئاً على مسار الفشل، الذي كان أقساه في لبنان
معاريف ــ عوفر شيلح
في السنوات العشر الأخيرة، احتلّت منصب رئاسة حكومة إسرائيل شخصيات بدرجة لواء متقاعد على الأقل، وهذا دليل على أن الوعي الإسرائيلي لا يزال مثبتاً حول الأمن، ومؤمناً بقدرة شخصيات عسكرية على إدارته. لكن إيهود أولمرت بالضبط، المدني الواضح، سنحت له الفرصة لقيادة الدولة في حرب محدّدة بالوقت والمجال. وكان فشله في إدارة حرب لبنان الثانية الحدث المميز في فترة حكمه.
أولمرت فشل في الحرب لا لأنه لم يكن جنرالاً، بل لأنه لم يفهم ما هي وظيفة زعيم مدني. من اللحظة الأولى تهرّب من المسؤولية: على الرغم من أن الرد على عملية الخطف كان مبادرة من إسرائيل وبسيطرتها التامة، إلا أنه اكتفى بتبنّي اقتراحات الجيش. تهرّب من تحديد أهداف وأطر زمنية مشتقة من تحليل حقيقي للوضع، ورأى وظيفته وكأنها فقط السماح للجيش بالعمل، رغم أنه كان من الواضح أن الجيش لا يعرف ماذا يفعل. هو فشل بسبب طابعه الشخصي، وبسبب إخفاقات تراكمت على مدى أعوام في آلية اتخاذ القرارات الأمنية داخل إسرائيل. بهذا المعنى، يحقّ له أن يشعر بأنه مغبون بشكل معيّن: فإيهود باراك لم يؤدّ دوره في أيلول 2000 جيداً. لكن حرب أولمرت كانت واضحة جداً، محددة جداً، سهلة جداً أمام تحكيم الجمهور الغاضب.
بعد الحرب، جاء الفشل الثاني لأولمرت: بالضبط من وسط الانحطاط العام الذي كان فيه، كان يستطيع، وقد وجب عليه القيام (عندما قرر عدم الاستقالة) بكل التغييرات اللازمة: إعادة ترتيب محيطه المباشر، بما فيه الإطار السائب لمكتبه كمركز لإدارة الأزمات الأمنية، وإقامة مؤسسة حقيقية لاتخاذ القرار، بما فيها مجلس أمن قومي ذو صلاحيات ونفوذ، وإدارة الحكومة لتجدد مسؤوليتها لوقت حرب، بدلاً من أن تكون ختماً مطاطياً للجيش، وخصوصاً إدارة التغيير المطلوب له، الذي أساسه في القيادة المدنية.
أولمرت جلس جانباً. إعادة تأهيل الجيش توقفت طوال فترة التحقيقات التي لم يكن القسم الأكبر منها سوى شكليّ. بعد تبديل رئيس هيئة الأركان بدأ غابي أشكنازي ببناء الجيش من جديد كما يراه، من دون حد أدنى من التوجيه والمراقبة. أما النجاح الكبير لأولمرت فهو، بلا شك، إدارة الأزمة مع سوريا حول المفاعل النووي في دير الزور. إلا أنه بالنسبة إلى الجمهور الإسرائيلي لم يغيّر هذا الأمر كثيراً، ولا بالنسبة لخلاصة إنجازات أولمرت الأمنية: فهو، كما معظم أسلافه، لم يغير شيئاً في وضع إسرائيل الأمني ولا في سياستها الأمنية. فإسرائيل تواصل التنقل من أزمة إلى أزمة من دون أي تغيير في آلية صناعة القرار. أولمرت، مثل كل رؤساء الحكومات منذ عهد بن غوريون، لم يكن سوى معالجٍ لحظيّ للأزمات، مراتٍ بنجاح، وفي المرة الحاسمة الوحيدة، من دون نجاح.