أصبحت مؤسسات التمويل الصغير ملجأً آمناً لمحدودي الدخل والفقراء، وتحوّلت هذه المؤسسات إلى بديل حقيقي عن المصارف التجارية لهذه الفئة من المواطنين، نتيجة محدودية شروطها التمويلية وتسهيلاتها المالية المتعددة
رانا أبو جمعة
تُعدّ التسليفات المصرفية مصدر استمرار للعديد من المواطنين اللبنانيين، إذ نادراً ما تجد عائلات لا ترزح تحت وطأة القروض المصرفية، وخصوصاً أن هذه الأخيرة أصبحت تطال جميع مستلزمات الحياة، بدءاً من القروض السكنية، مروراً بالتجهيزات المنزلية، وصولاً إلى القروض الشخصية وقروض السفر وتأمين الحاجات الثانوية. لكن بفعل غلبة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على البنية الاقتصادية في لبنان، بدأت المصارف التجارية تتجه أكثر نحو القروض الصغيرة، لتطال الأعمال الاقتصادية الأكثر انتشاراً في لبنان، فأصبح ذوو الدخل المحدود مرتهنين للمصارف، ومصير أعمالهم مرتبطاً بالموافقة على طلب القرض الباهظ الفوائد، والكثير التعقيدات. ومع ارتفاع الضغوطات المالية على معظم العائلات اللبنانية، وخصوصاً في ظل الغلاء الفاحش الذي يطرق كل باب، بدأت السوق المالية اللبنانية تشهد ظاهرة جديدة تتعلق بانتشار مؤسسات تمويلية تؤمن قروضاً صغيرة بفوائد وتسهيلات تتفوق على تلك المعتمدة في المصارف التجارية والاستثمارية، ما أمّن مصدراً مالياً بديلاً لذوي الدخل المحدود والفقراء، يدفعهم خطوة إلى الأمام في إطار تحسين وضعهم، بعيداً عن قروض المصارف وفوائدها المرتفعة وأموال المرابين.

خدمة منزلية

إذ غالباً ما يطرق موظفو التسويق أبواب المنازل، يشرحون عن قروض مؤسساتهم التمويلية، يحاولون إقناع المواطنين بمميزاتها التفاضلية، بعض المواطنين يقتنعون ويباشرون تعاملهم مع المؤسسة، والبعض لا يقتنع فيفضل البقاء في كنف المصارف، الشاب فادي العريضي هو مقترض، لكن من مؤسسة التمويل الصغير، إذ إنه لا يحب التعامل مع المصارف التجارية بسبب متطلبات المعاملات الكثيرة، إضافة إلى الشروط التسليفية التي يراها «تعجيزية». أما عن سبب حاجته إلى القرض فيقول «إن الوضع المعيشي يزداد صعوبة، والأجور المعتمدة في لبنان لا تكفي لتأمين الحاجات الأساسية، فأنا أبلغ الخامسة والعشرين من عمري، أحلول تحسين عملي وتطويره، بالإضافة إلى أنني مرتبط وأستعد للزواج، ومعيل لعائلتي في الوقت نفسه، وهذا كلّه يرتّب عليّ مسؤوليات ومصاريف واحتياجات يجب تأمينها». ويوضح أن أكثر ما يريحه في التعامل مع مؤسسات التمويل الصغير هو أنها هي التي تأتي إليه وليس هو من يقصدها.
أما مصطفى زعيتر الذي يعمل في مدرسة الحكمة متعهداً للنقل، فيقول إن التمويل الصغير مكّنه من تطوير مصلحته، إذ تمكن على سبيل المثال من شراء أكثر من حافلة نقل للطلاب، وهذا ما حسّن من مستوى معيشته وحياته، مشيراً إلى أنه لا يفضل الاقتراض من المصارف التجارية، نظراً للفوائد العالية التي تفرضها على القروض.

حاجة نسائية

أما النساء فهنّ في المجتمعات النامية هدف لمؤسسات التمويل الصغير، فراغدة حمادة تقوم بأعمال يدوية، وترى أنه لولا هذه المؤسسات لما كانت حققت شيئاً في حياتها، «فالمؤسسة التي اقترضت منها تصرّف إنتاجي عبر المعارض التي تقام على مدار السنة في مناطق مختلفة في لبنان، وأحياناً في الخارج، وهذه الأمور، بطبيعة الحال، لا توفّرها المصارف العادية. وتقول إن هذا النوع من القروض يساعد على تطوير العمل وتوسيع الآفاق على الصعيد الشخصي. كما يساعد على تحسين الوضع المعيشي «فأنا أساعد زوجي الآن بالمصاريف، إذ لدينا ثلاثة أولاد، وفي هذه الأيام الصعبة لا يمكن لأحد أن يعيل المنزل بمفرده».
وتقول ندى علامة التي تعمل في مجال بيع الإكسسوار إن القرض من مؤسسة التمويل الصغير ساعدها كثيراً، لكنها حتى الآن لا ترى نفسها عنصراً أساسياً في إعالة منزلها، فلا يزال العبء المادي الأساسي يقع على عاتق زوجها. ولكنها ترى أن هذه القروض سهلة المنال ولا تحتاج سوى إلى الالتزام بالدفع من المقترض.

بين الأرباح والتوسّع

يقول مدير مؤسسة الجمعية اللبنانية للتنمية «المجموعة» فادي ناصر الدين إن هدف مؤسسات التمويل الصغير يجب أن يكون تنموياً، وأن لا تسعى هذه المؤسسات إلى الربح عبر قروضها وما يتبعها من فوائد كما المصارف التجارية، ويشير إلى أن المؤسسة المالية الناجحة هي التي تحقّق التوازن بين الربحية التي تؤدي إلى استمراريتها وتوسع أعمالها، وبين المحافظة على العمل الاجتماعي الذي يؤكد رسالتها. ويتابع أن فكرة التمويل الصغير ظهرت تاريخياً من أجل مساعدة الفقراء في كثيرٍ من الأحيان على زيادة رأسمالهم وتطوير عملهم، وذلك في إطار عملية مكافحة الفقر، والانتقال من مرحلة تأمين القوت اليومي إلى مرحلة التخطيط من أجل المستقبل، لافتاً إلى أن زبائن التمويل الصغير هم بالدرجة الأولى ربات المنازل، وصغار المزارعين وأصحاب المصالح الحرة الصغيرة. ويلفت إلى أن التجربة أثبتت عبر الوقت أن برامج التمويل الصغير في العالم هي برامج قابلة للحياة وتبشر بمستقبلٍ واعد لها وللمستفيدين منها، وقد أثبت الفقراء، وخاصةً النساء، أنهم أشخاص ملتزمون بالدفع إذا توافر لهم البرنامج المناسب، وأنهم أيضاً يستطيعون دفع تكاليف القروض بشكلٍ يساهم في تغطية مصاريف المؤسسات التي تقدم لهم خدماتها المالية.