لم تصمد «ديموقراطية» موريتانيا أكثر من 18 شهراً، لتعود وتسقط مجدّداً في قبضة العسكر، بعد أزمة سياسية، كان الجيش طرفاً رئيسياً فيها، وحسم خلالها المعركة لمصلحته عبر انقلاب أطاح الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله
نواكشوط ــ أمين محمد، سيدي محمد يونس

لم ينته زمن الانقلابات في موريتانيا. هذا كان خلاصة حدث أمس في نواكشوط، حيث حسم الجيش الصراع مع الطبقة الحاكمة لمصلحته بالقوة العسكرية، عقب صراع سياسي لم يقوَ على الانتصار فيه نهائياً، ولا سيما أن جنرالاته باتوا تحت مقصلة الإقالة.
واستيقظ الموريتانيون، أمس، على بيان رئاسي يتردد عبر أمواج الإذاعة يتضمن إقالة عدد من قادة المؤسسة العسكرية، من أبرزهم الجنرالان قائد الحرس الرئاسي محمد ولد عبد العزيز، وقائد الجيش الوطني محمد ولد غزواني. لكن الأمور لم تطل كثيراً حتى أقدمت وحدات خاصة من الحرس الرئاسي على وضع يدها على كل المراكز الحساسة بما فيها الإذاعة والتلفزيون ومباني الوزارات الأساسية، واضعة بذلك حداً لشائعات ترددت منذ اللحظات الأولى عن اعتقال الجنرالين النافذين. إلا أن العكس هو ما حدث، إذ إن الجنرالين اعتقلا الرئيس ورئيس الوزراء يحيى ولد أحمد الواقف، وهو ما تأكّد نهائياً حين أذاعت وسائل الإعلام الرسمية البيان رقم واحد الذي أعلن تولّي مجلس عسكري للسلطة في البلد، يرأسه الجنرال عزيز.
وقامت وحدات الحرس الرئاسي، التابعة للجنرال ولد عبد العزيز بتطويق مبنى الرئاسة، ومنع موظفيها من الدخول بحجة أن قرار الإقالة غير صائب، فيما تولّت وحدات من الحرس الوطني تطويق مبنيي الإذاعة والتلفزيون، وإخلاءهما من موظفيهما كافة، قبل أن يقطع بثّهما.
وفي وقت لاحق، أفاد مصدر مقرّب من الانقلابيين بأن المجلس العسكري سيعلن في الساعات المقبلة الإبقاء على المؤسسات الحالية (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ وغيرهما) والدعوة إلى انتخابات رئاسية بعد شهرين. وتابع المصدر أن «مجلس الدولة»، الذي ألّفه العسكر، سيضم «13 أو 14 شخصاً بينهم مدنيون».
إقالة الجنرالين وإطاحة نظام ولد الشيخ عبد الله لم يأتيا من فراغ، بل سبقتهما تطورات وخطوات أدت في نهاية المطاف إلى حوادث أمس. ولعل الأزمة الأخيرة بدأت قبل نحو شهرين عندما تحركت مجموعة من البرلمانيين، بدفع وتوجيه من الجنرالين، وطالبت بحجب الثقة عن الحكومة السابقة. لكن الرئيس ولد الشيخ عبد الله فاجأهم قبل التصويت على قرار حجب الثقة عن الحكومة بإقالتها، وإعادة تكليف رئيس الوزراء نفسه يحيى ولد أحمد الواقف بتأليف الحكومة الجديدة التي وصفت بحكومة التوازنات، بعدما ضمّت محسوبين على الرئيس وعلى الجنرالين وعلى النواب.
بيد أن الأزمة لم تضع أوزارها، إذ سرعان ما اندلعت من جديد بعد مطالبة بعض الشيوخ البرلمانيين بالتحقيق في هيئة خيرية تشرف عليها عقيلة الرئيس الموريتاني ختو بنت البخاري، ثم تصاعدت الأمور أيضاً بمطالبة النواب بدورة برلمانية طارئة تهدف إلى تأليف محكمة العدل السامية، وهي التي تختص بمحاكمة رئيس الجمهورية، وتأليف عدد من لجان التحقيق في مؤسسات ومشروعات عامة، وهي تطورات دفعت الرئيس ولد الشيخ عبد الله إلى التهديد أكثر من مرة بحل البرلمان. غير أن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت قرار ولد الشيخ عبد الله، أمس، إقالة الجنرالين، فيما كان دائماً يؤكد في مقابلاته وتصريحاته الصحافية أن علاقته بهما طيبة، وأن لا صحة لما يشاع عن مشاكل وتوترات بين الطرفين.
وتأتي هذه التطورات بعد أقل من يومين على إعلان تسعة وأربعين برلمانياً من الأغلبية استقالتهم من حزب «عادل» الحاكم، وبعد يوم واحد من مشاورات ضمت أحزاباً في الغالبية وأخرى معارضة بهدف تأليف جبهة سياسية جديدة لدعم الرئيس في وجه الضغوط التي يتلقاها من النواب المستقيلين وجنرالات الجيش.
وتعود جذور الأزمة السياسية في موريتانيا إلى محاولات تأليف حزب سياسي مدعوم من طرف الرئيس يجمع شتات التشكيلات السياسية التي دعمته إبان ترشحه لرئاسة الجمهورية بداية 2007، وهو ما ولّد الانطباع لدى بعض ضباط المجلس العسكري المنحل، الذي أطاح نظام ولد الطايع قبل ثلاث سنوات، بأن الرئيس الجديد باتت تساوره أطماع جديدة في ترسيخ أقدامه في الحكم، وهو ما قد يؤهّله لتأمين فترة رئاسية ثانية، قيل إن العسكريين دعموه على أساس عدم السعي إليها، ليتمكنوا من العودة إلى الحكم من خلال ترشيح الرئيس العسكري السابق العقيد اعلي ولد محمد فال، الذي قاد انقلاب آب سنة 2005.
وفي خطوة عدّها المراقبون تحرّراً من الضغط العسكري، قام ولد الشيخ عبد الله بتعيين رئيس الحزب الجديد، ولد أحمد الواقف، رئيساً للحكومة التي ضمت حزبي «اتحاد قوى التقدم» اليساري و«تواصل الإسلامي»، وهو ما رأى فيه الفريق البرلماني المؤيّد للجنرالات محاولة تقوية أطراف على حسابها. وإقصاء الإسلاميين واليساريين عن الحكومة الجديدة لم يكن كافياً لدى الجنرالات.


البيان الرقم واحدوكان البيان الرئاسي قد أقال قائد الأركان الخاصة لرئيس الجمهورية الجنرال محمد ولد عبد العزيز، وقائد أركان الجيش الجنرال محمد ولد الغزواني، وقائد أركان الحرس العقيد نيكري فيليكس، بالإضافة إلى قائد أركان الدرك العقيد أحمد ولد بكر.
إلى ذلك، أعلن «حزب تكتل القوى الديموقراطية»، أكبر أحزاب المعارضة، تفهّمه للانقلاب، فيما رفضته أحزاب أخرى من أهمها حزب «اتحاد قوى التقدم اليساري»، و«تواصل الإسلامي»، و«التحالف الشعبي التقدمي»، الذي يتولى رئاسة الجمعية الوطنية (البرلمان).
ودعا النواب المنشقون عن «حزب العهد الوطني للديموقراطية والتنمية»، الذي ينتمي إليه الرئيس الموريتاني، إلى مسيرة اليوم في نواكشوط دعماً للانقلابيين.
وأعلن الناطق باسم البرلمانيين العصاة، سيدي محمد ولد مهام، أن «البرلمانيين يعلنون ما يأتي: نأسف للوضع الذي وضع فيه الرئيس المخلوع البلاد، ونطلب من مجلس الدولة الحفاظ على المؤسسات والعمل بالدستور». وأضاف «نحن ندعم «الحركة التصحيحية»، ونأمل أن تكون في خدمة الديموقراطية والبلاد».