تشكيل جبهة معارضة والأمن يفرّقها بالقوّة... والرئيس قيد الإقامة الجبريّةنواكشوط ــ أمين محمد
حملت تطورات اليوم الثاني من الانقلاب الموريتاني خطاباً، هو الأول من نوعه، ألقاه «الرئيس الجديد»، الجنرال محمد ولد عبد العزيز، أمام المئات من أنصاره. الرئيس الجديد تعهّد باحترام المكتسبات الديموقراطية وتعزيزها، وتعهد أيضاً «بنشر العدالة والمساواة بين الجميع». وأكد أن «العسكر كما منحوا الديموقراطية أول مرة، فإنهم اليوم على استعداد تام لتعزيزها ولتقويتها وحمايتها من جديد».
تصريحات صفق لها المناصرون ورحّبوا؛ لكن في الجزء الآخر من المشهد، وفي الوقت الذي كان فيه ولد عبد العزيز يدغدغ أحلام مناصريه، ويحمل لهم بشائر التغيير والغد الأفضل، كانت وحدات خاصة من قوات مكافحة الشغب تنقضّ على المئات من أنصار «الجبهة الموحدة لحماية الديموقراطية» المناهضة للانقلاب، والتي أعلن أمس تشكيلها، وضمّت أربعة أحزاب هي: «العهد الوطني للديموقراطية والتنمية» (عادل) الحاكم سابقاً الذي يقوده رئيس الوزراء المقال يحيى ولد الواقف، و«التحالف الشعبي التقدمي» الذي يتزعمه رئيس مجلس النواب مسعود ولد بلخير، و«اتحاد قوى التقدم اليساري» بقيادة محمد ولد مولود، و«التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الإسلامي» بقيادة محمد جميل منصور.
الجبهة قالت، في بيانها الأول، إن «تعهدات العسكر بتنظيم انتخابات رئاسية جديدة ليس أكثر من حيلة مفضوحة للالتفاف على إرادة الشعب»، متسائلين «أليسوا هم أنفسهم من تعهّد بالأمس، ولما استكمل الشعب الموريتاني صرحه الديموقراطي أرادوه دمية في أيديهم وإلا انقلبوا عليه. فكيف يكون التعهد الجديد أفضل من الماضي؟ وكيف لهم أن يكونوا موضع ثقة من الشعب والعالم بعد الذي قاموا به؟».
وقالت الجبهة إن «العودة إلى دوامة الانقلابات العسكرية وتوفير الأسباب الموضوعية للاضطرابات والقلاقل سيشوّهان صورة البلاد ويفقدانها الصدقية التي حازتها بامتياز بفعل مؤسساتها الشرعية وخاصة مؤسسة الرئاسة، ما سيزيد من حدة الأوضاع المعيشية الصعبة في البلاد ويدفع إلى مزيد من تردّي الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمواطن».
وبدا من خلال مسيرة الداعمين للقادة الجدد ونزول المعارضين إلى الشارع أن الرهان الجديد هو على الساحة والناس، وأن من يكسب هذا الرهان هو من يكتب له القبول الشعبي والانتصار في نهاية المطاف؛ بيد أن حالة الاحتكام إلى الشارع صاحبتها أيضاً استغاثات بالخارج من أجل التدخل لإنقاذ الموقف. وإضافة إلى دعوة الجبهة المناهضة للعسكريين كل الدول والقوى الخارجية إلى مناهضة الانقلاب والوقوف في وجهه، فإن ابنة الرئيس المخلوع، آمال بين سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، أطلقت نداء استغاثة إلى الأمم المتحدة من مكانها المعتقلة فيه مع أفراد أسرتها. وقالت إنها ووالدها قيد الإقامة الجبرية واتصالاتهم مقطوعة مع العالم.
وأضيف أمس رئيس الوزراء السابق الزين ولد زيدان إلى قائمة الداعمين للانقلاب. وقال في تصريحات صحافية إنه ينحاز إلى صفهم، ويتفهم الأسباب التي أدت إلى ما حدث. لكن في الطرف الآخر أعلنت الهيئة الوطنية للمحامين رفضها واستنكارها الشديد للانقلاب، وطالبت بإعادة الشرعية الدستورية، وبالحفاظ على المكتسبات الديموقراطية.

ويخشى المراقبون في نواكشوط من أن تكون وراء تهرّب القادة العسكريين الجدد نية البقاء في الحكم إلى أمد غير محدد، وهو ما يرونه تراجعاً عن مبدأ التداول السلمي على السلطة، وخصوصاً بعدما تردد عن أن رغبة قادة الانقلاب بإشراك مدنيين في المجلس الأعلى للدولة، اصطدمت برفضهم لشروط زعيم المعارضة الديموقراطية بعدم ترشح أعضاء المجلس للانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويرى محللون سياسيون أن الباب سيكون مفتوحاً أمام المزيد من الانقلابات، ما لم تنظّم انتخابات رئاسية في وقت قريب، للتخفيف من الاحتقان الذي تعرفه الساحة السياسية في البلد.