نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في ملحقها الأسبوعي أمس، فصلاً من كتاب للمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية، مارتن إنديك، سيصدر في كانون الثاني 2009، رصد خلاله وقائع وتفاصيل جلسات المفاوضات بين سوريا وإسرائيل في الولايات المتحدة
حيفا ــ فراس خطيب
يسرد كتاب مارتن إنديك كيف أن مطالب السوريين كانت واضحة للغاية، بينما خشي رئيس الوزراء الاسرائيلي في حينه، إيهود باراك، من اتخاذ أي خطوة جوهرية، في أعقاب الوضع المتزعزع لحكومته، وقيادته التي لا يستطيع من خلالها فرض اتفاق على الشارع. وأشار إلى أن باراك أراد مسيرة طويلة للتوصل إلى اتفاق مبتعداً عن القضايا الجوهرية، وهو ما رفضه السوريون. ويشير إنديك إلى أنه في كانون الأول عام 1999، وتحديداً في الولايات المتحدة، هبطت طائرة إيهود باراك في واشنطن. إلا أن باراك رفض النزول منها، واستدعى إنديك للصعود على متنها.
ويصف إنديك الحالة بقوله: «فوجئت عندما طلب مني مدير مكتبه (باراك) الصعود إلى الطائرة للتحدث إليه. شاهدته جالساً على كرسي. دعاني إلى الجلوس قبالته. فكرت بمجموعة المستقبلين التي انتظرته على المسار، وجلست عديم الصبر، قبل أن يقول باراك: أنا لا أستطيع أن أفعل هذا».
وبحسب إنديك، كان يعرف ما الذي يقصده باراك، وخصوصاً أن الأميركيين ناقشوه على مدى ستة أشهر في انسحاب كامل من هضبة الجولان السورية المحتلة. ويشير إلى أنَّ باراك لم يكن «شريك السر» في ما يتعلق بوديعة رابين، الذي التزم من خلالها الانسحاب الكامل من هضبة الجولان حتى حدود الرابع من حزيران 1967، في مقابل التزام السوريين شروط الأمن الإسرائيلية والمياه وتطبيع العلاقات. وبحسب إنديك، فإن باراك، وفي زيارته الأولى إلى الولايات المتحدة، قال للرئيس الأميركي حينذاك بيل كلينتون إنه «لا يستطيع الموافقة على وديعة رابين». ويعود هذا لالتزامه خلال دعايته الانتخابية أنه لن يوقع أي اتفاق «يُجلس السوريين على شاطئ طبريا».
ويواصل إنديك رصد حديث الطائرة: «قال باراك: وضعي السياسي تغير. كان ممكناً رؤية الشكوك في وجهي. لقد قصد بالوضع قانون الجولان، الذي يُبحث في الكنيست، والقاضي بأن كل تنازل جغرافي في الجولان عليه المرور بغالبية مطلقة من أصوات الناخبين». ونقل عن باراك قوله: «إذا التزمت انسحاباً كاملاً الآن، فسيعتقدون في إسرائيل أني أتنازل عن كل شيء قبل أن أعرف ما الذي سأحصل عليه في المقابل».
وفي يوم افتتاح المفاوضات في الخامس عشر من كانون الأول، قال وزير الخارجية السوري آنذاك، فاروق الشرع، لوزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت إنه لن يصافح باراك. ووافق الأميركيون والإسرائيلون. في الافتتاح، تحدث باراك 30 ثانية، بينما تحدث الشرع عشر دقائق عدد فيها الممارسات الإسرائيلية، مشدداً على ضرورة السلام.
ويرى إنديك أن «السوريين تميزوا بالحديث مباشرة عن القضايا العالقة وكانوا واضحين». ويقول: «بعد أسبوعين، افتتحت المفاوضات في شبردستاون، غربي فيرجينيا. وقد التصق باراك بالخطوات التي زفّها إليّ عند هبوطه: لقد رفض التباحث بالقضايا الجوهرية وضغط على كلينتون لاستغلال تأثيره على السوريين من أجل تقديم تنازلات من ناحيتهم. وقد أضاف (باراك) طلباً جديداً: أن تسمح في تجديد المفاوضات بين إسرائيل ولبنان».
ويتابع إنديك قائلاً إن «باراك أراد ألا يظهر كمن أسرع للتوصل إلى اتفاق. حثنا على تأجيل كل بحث جوهري كي يبث انطباعاً وكأن هناك صيرورة طويلة، لكن في مقابل هذا، أراد السوريون التطرق للموضوع».
وبحسب إنديك، «فوجئ الأميركيون عندما قبل الشرع شروط باراك. والمفاوضات التي بدأت إيجابية بدأت تواجه العراقيل. حاول باراك تسويق أن هناك تنازلات سورية وأمنية لإسرائيل قبل أن يسوق الانسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان المحتل. لكن المفاوضات لم تثمر. أراد الوفد الإسرائيلي أن يبحث الوضع القضائي لقرار الأمم المتحدة 242. بينما قال السوريون إن المفاوضات أعدت من أجل رسم الحدود، لا مناقشة القرار 242. وعندما سمع الشرع ما كان، قال لأولبرايت إنه سيبلغ الرئيس (السوري الراحل) حافظ الأسد، وإن الإسرائيليين يضعون العراقيل. وعندما سمع كلينتون ما يجري، غضب وقال: باراك يلعب معي ومع الشرع».
ويذكر إنديك أن الشرع قال لأولبرايت: «الإسرائيليون وأنتم لم تقوموا بواجبكم. وهذا ما علي أن أقوله للأسد».
وأضاف إنديك: «في نظرة إلى الوراء، كان علينا ألا نعيد الشرع بيدين فارغتين. كان على كلينتون الضغط على باراك، لكنه دائماً أظهر حساسية زائدة للوضع السياسي لحكومة إسرائيل».