مهدي السيّدحُسم الصراع بين الأجهزة الأمنية والدبلوماسية الإسرائيلية لمصلحة موقف جنرالات الجيش القائل باستمرار تزويد جورجيا بالأسلحة الإسرائيلية، مع الأخذ بالاعتبار عدم تضرر العلاقات مع روسيا، في وقت تراقب فيه تل أبيب التطورات الميدانية في هذا البلد بـ«قلق بالغ»، لم يصل بعد إلى مرحلة الطلب إلى الإسرائيليين الموجودين فيه بكثرة مغادرته.
وذكرت صحيفة «هآرتس» أمس أن مصادر أمنية إسرائيلية وجهت انتقادات لاذعة إلى توصية وزارة الخارجية بتجميد صفقات بيع إسرائيل أسلحة لجورجيا. وأضافت أن توجه وزارة الخارجية الإسرائيلية يعكس «سذاجة وعدم فهم للعالم المعقد في مجال الصفقات الأمنية التي تبرمها إسرائيل في الحلبة الدولية».
وبحسب المصادر الأمنية الإسرائيلية، «لا ينبغي لوزارة الخارجية أن تكون طرفاً في القرارات المتعلقة بمصير صفقات الأسلحة لأنه يوجد للوزارة مندوب في شعبة مراقبة الصادرات الأمنية في وزارة الدفاع، المسؤولة عن هذه الصفقات، ومسموح لهذا المندوب التعبير عن موقفه خلال المداولات، ولذلك فإن على وزارة الخارجية الاكتفاء بذلك».
وأضافت المصادر الأمنية أنه «لا يجب على إسرائيل المسارعة للانفصال عن حليفاتها، وفي المقابل يتعين عليها إظهار الحذر وألا تسبب نشوء توتر بينها وبين روسيا».
وفي هذا السياق، ذكرت «هآرتس» أن وزارة الدفاع الإسرائيلية لن توقف عقوداً أُبرمت لتزويد جورجيا بأسلحة، لكن يُحتمل دراسة إمكان تجميد بعض العقود المعدودة لفترة معينة، فيما أعلنت الإذاعة الإسرائيلية أن الدولة العبرية ستواصل تصدير الأسلحة «الدفاعيّة» إلى جورجيا. ونقلت الإذاعة عن مصدر إسرائيلي قوله إن قرار مواصلة بيع أسلحة بالحفاظ على مستواها الحالي و«تحت رقابة» اتخذ مساء أول من أمس خلال مشاورات بين وزارتي الدفاع والخارجية.
وفيما قال وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، للقناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلية، إن «روسيا مهمة جداً لنا، وليس لائقاً أن تبدو إسرائيل كمن تتخلى عن أصدقائها في وقت الضيق» في إشارة إلى جورجيا. وذكرت «هآرتس» أن وزيرة الخارجية تسيبي ليفني أجرت تقديراً لوضع المعارك في القوقاز، ونشرت بياناً جاء فيه أن «إسرائيل تتابع بقلق شديد التطورات، وتأمل أن تتوقف أعمال العنف. إسرائيل تعترف بسلامة الأراضي الجورجية وتدعو إلى إيجاد تسوية بطرق سلمية».
وكانت وزارة الخارجية قد حذرت الإسرائيليين من مغبة السفر إلى جورجيا، وأوصت أولئك الموجودين هناك بدراسة مغادرة هذا البلد، لكنها امتنعت عن اتخاذ قرار إخلاء كل الإسرائيليين. وبحسب «هآرتس»، لم تقرر وزارة الخارجية الإسرائيلية المبادرة إلى إخلاء الإسرائيليين من جورجيا بغية عدم المس بالعلاقات مع هذه الدولة وبسبب تقدير وزارة الخارجية أن المواجهة العنيفة على وشك الانتهاء.
تجدر الإشارة إلى أن الجالية اليهودية في جورجيا تضم نحو 12 ألف شخص، غالبيتهم في العاصمة تبليسي. وفي السياق، قال متحدث باسم الوكالة اليهودية، لوكالة «فرانس برس»، إن أكثر من 50 يهودياً من جورجيا طلبوا من الوكالة الدولية مساعدتهم على الهجرة إلى إسرائيل.
وقال أليكس سيلسكي، المتحدث باسم الوكالة في القدس المحتلة والمكلف الإشراف على الهجرة إلى إسرائيل، «تلقينا عشرات الطلبات من اليهود الجورجيين الذين يرغبون في الهجرة». وأضاف أن «الوكالة اليهودية ستبذل ما في وسعها لإحضارهم إلى هنا بالسرعة الممكنة». وأضاف: «لقد إجلينا كل اليهود تقريباً من مدينة غوري إلى تبليسي».
إلى ذلك، نقلت «هآرتس» عن ضابط إسرائيلي، لم تذكر اسمه وأشارت إليه بالحرف «ل» وأنه كان يخدم في وحدة نخبة في الجيش الإسرائيلي وشارك في تدريب قوات جورجية، قوله إنه «كان واضحاً بالنسبة إليه أن الحرب بين جورجيا وروسيا ستنشب لا محالة».
ودرب الضابط الإسرائيلي قوات جورجية مبعوثاً من الشركتين الإسرائيليتين «غلوبال سي. اس. تي»، التي يملكها اللواء في الاحتياط إسرائيل زيف، و«ديفنسيف شيلد» التي يملكها العميد غال هيرش.
وذكرت «هآرتس» أن هناك عدداً من الضباط الذين خدموا في وحدات النخبة الإسرائيلية، والذين جندتهم الشركتان وأرسلتهم إلى جورجيا في مقابل مبالغ كبيرة. وقال الضابط «ل» إن «الأجواء في جورجيا كانت أجواء عشية حرب، وحصلنا على مواد أولية عن التوتر بين جورجيا وروسيا، لكن المعلومات الأساسية حصلت عليها من خلال محادثات مع الجنود، وقد اطلعت منهم على الأوضاع في أبخازيا وجنوب روسيا. وبالنسبة إليّ، فإن المعارك الحاصلة في الأيام الأخيرة كانت أمراً متوقعاً».