الكرة في ملعب الحكومة بعد فشل الاتفاقمحمد وهبة
«عودٌ على بدء»، هي حال المفاوضات بين الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية في اجتماع ثنائي عقده أمس وزير العمل محمد فنيش بين ممثلي أصحاب العمل والعمال، فقد تبين أن هناك «إصراراً» على مواقف مسبّقة أعلنها الطرفان بفرق واحد يتمثل في «إصرار» فنيش على إصدار مرسوم غلاء معيشة يتضمّن النسب المئوية التي يجب أن تلحق بالأجور ضمن هامش محدّد بين حد أدنى وحد أقصى للزيادة.

سيناريو «معقول»

تبيّن أن الاجتماع ليس جلسة رسمية للجنة المؤشر، ولم يعرف ما إذا كان الاجتماع الأخير قبل أن يرفع فنيش توصياته إلى مجلس الوزراء الذي سينعقد الخميس المقبل لإصدار مرسوم غلاء معيشة يتضمن، بحسب المعلومات والتقديرات، زيادة تحدّد فيها نسب غلاء المعيشة على الحد الأدنى وشطور الأجر ولا تقلّ عن 300 ألف ليرة كما لا تتجاوز 450 ألف ليرة وبذلك يصبح الحد الأدنى للأجور 600 ألف ليرة.
لكن مصادر مطلعة أخرى تشير إلى أن الزيادة التي سيقترحها فنيش لن تقل عن 200 ألف ليرة (أي تعادل في حدها الأدنى قرار الزيادة الذي اتخذته الحكومة السابقة)، ولن تتجاوز 350 ألف ليرة، أي زيادة الحد الأدنى إلى 500 ألف ليرة وإفساح المجال أمام نسب أكبر من الزيادة على شطور الأجر تساوي 116 في المئة من الحد الأدنى السابق.
وبحسب المعلومات المسرّبة من الاجتماع فإن كلّاً من ممثلي العمال وأصحاب العمل (غسان غصن وحسن فقيه عن الاتحاد العمالي العام، وفادي عبود وشارل عربيد عن الهيئات الاقتصادية) عرض وجهة النظر التقليدية. فقد تمسك الاتحاد العمالي العام بمطلب 960 ألف ليرة للحد الأدنى للأجور وبضرورة إصدار مرسوم غلاء معيشة تُذكر فيه النسب التي يجب زيادتها على شطور الأجر والحد الأدنى، فيما تذرّعت الهيئات بارتفاع الأكلاف إذا أُلزمت بزيادة الأجور ضمن شطور محددة للقطاع الخاص وبملف انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية وبقدرتها التنافسية.

خفض الأكلاف أو صرف العمال؟

وعلمت «الأخبار» أن عبود طلب في مقابل إقرار الهيئات بزيادة غلاء معيشة (أي احتساب الزيادة على شطور الأجر وعلى الحد الأدنى)، أن تقبل وزارة العمل بصرف العمال على قاعدة اعتباره صرفاً لأسباب اقتصادية، وتعفيهم من مترتبات الصرف التعسفي، أو أن يقرّ مجلس الوزراء وضع سقف على سعر مادة المازوت، ويخفض تعرفتي الخلوي والكهرباء أو يضع رسوماً وحمايات جمركية على السلع المستوردة التي يصنع منها في لبنان، وكل ذلك في مقابل القبول بذكر الزيادة على شطور الأجر في المرسوم.

احتكام لقوى خارجية!

وعندما أعرب فنيش أمام الفريقين أنه لا يعتزم خرق القانون وبالتالي سيرفع توصياته إلى مجلس الوزارء لإصدار مرسوم غلاء معيشة يتضمّن زيادة على الحد الأدنى للأجور وزيادة على شطور الأجر بنسب محددة، أبلغه عبود بأن عدم ذكر شطور الأجر في القطاع الخاص بالمرسوم يعني أن كل شيء قابل للتفاوض ملوّحاً بأن أعضاء الهيئات الاقتصادية طلبوا منه إبلاغ من يلزم بأنهم غير موافقين على أن تجبرهم الدولة على زيادة الأجور وسيلجأون إلى مجلس شورى الدولة لإبطال قرار كهذا «غير دارج بعد انضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية كعضو مراقب، وغير وارد في البيان الوزاري»، وقال عبود لـ«الأخبار» إن الهيئات ستلجأ إلى المجلس الاقتصادي الاجتماعي العربي وإلى منظمة التجارة العالمية للنظر في مدى قانونية فرض تصحيح لشطور الأجر على القطاع الخاص، مشيراً إلى أن صدور المرسوم بالشكل الذي كان عليه سابقاً كان متزامناً مع ضرائب جمركية تحمي السلعة المصنعة محلياً بنحو 35 في المئة على الأقل.

احتساب الزيادات السابقة

وطالبت الهيئات احتساب الزيادة المدفوعة للعمال والموظفين في خلال السنوات السابقة، أي كل الزيادات من دون احتساب نوعها وهدفها، فواجههم الاتحاد بأن القبول بهذا الأمر يفترض وجود إقرار جماعي موقع من الموظفين والعاملين في أي شركة أو مصنع بأن تكون الزيادة المعطاة موزعة عليهم كلهم وفقاً لمبدأ غلاء المعيشة لا لأي هدف آخر.
ووفق المعلومات فقد اندلعت في اجتماع أمس معركة قانونية على إصدر مرسوم غلاء معيشة احتمى فيها العمال باتفاقيات دولية متصلة بالعمال منها الاتفاقيتان الدوليتان رقم 95 و100 اللتان تشيران إلى أن تحديد الأجر وتعديله يخضعان لحوار بين أطراف الإنتاج، وبمراجع قانونية تفسر تركيب مكونات الأجر واحتساب زيادة غلاء المعيشة من ضمنها.

تمسك بالقانون 36/67
واشترط الاتحاد العمالي العام أن يصدر مرسوم غلاء معيشة بمفعول رجعي منذ مطلع السنة الجارية وإنصاف أرباب العمل الذي رفعوا الأجور والرواتب على أساس غلاء معيشة منذ سنتين واحتسابها ضمن هذا المرسوم، معتبرين أن رئيس الحكومة وأصحاب العمل على اتفاق بعدم زيادة الأجور في القطاع الخاص وهذا ما يبدو ظاهراً من خلال «قرار الحكومة السابقة الملتبس ومن البيان الوزاري أيضاً».

المخارج

وبناءً على هذا الأمر، وما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من اتصالات سياسية، اقتصادية ثنائية بين العمال وأصحاب العمل... في اليومين المقبلين ستعقد هيئة مكتب الاتحاد العمالي العام جلسة لتقرر ما هو الرقم «المقبول» منها الذي يفترض أن تقدمه لفنيش قبل أن يرفع اقتراحه إلى مجلس الوزراء، كما أن هذا الأمر ينسحب أيضاً على الهيئات، وإلا فإن «العمالي» سيلجأ إلى تصعيد الحوار عبر عملية سيطلق عليها «وقف الإنتاج» أو «الانقطاع عن العمل». وتجدر الإشارة إلى أن الفريقين أشادا بجديّة فنيش في التعاطي مع هذا الملف ووصفاه بأنه «مستمع جيد» يقود حواراً عقلانياً نابعاً من عقلية «أستاذ رياضيات» ويعرف ظروف البلد الصعبة على العمال والمؤسسات.


500 ألف ليرة

هو الرقم الذي توصلت ليه الحكومة السابقة لتحديد الحد الأدنى للأجور الذي لا يزال 300ألف ليرة منذ عام 1996


15 في المئة

هي نسبة التضخّم المتوقّعة في هذا العام التي يطالب الاتحاد العمالي باحتسابها في مرسوم تصحيح الأجور


الاستراتيجية الاقتصادية