Strong>مثّلت قمّة «المتوسط» مناسبة لكسر الجمود في العلاقات اللبنانيّة - السوريّة من خلال قمتين جمعتا الرئيسين ميشال سليمان وبشار الأسد، أُعلن بعدهما الاتفاق على إقامة علاقات دبلوماسيّة وعلى زيارة للرئيس اللبناني إلى دمشق
علاقات دبلوماسيّة لبنانية ــــــ سورية وتبادل زيارات هما حصيلة القمتين اللتين جمعتا الرئيسين ميشال سليمان وبشار الأسد خلال اليومين الماضيين. فالقمة الرباعيّة التي ضمت أول من أمس الرئيسين اللبناني والسوري إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وأمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، أعقبتها قمّة ثنائية أمس أعلن بعدها سليمان والأسد أنهما بصدد البحث في آليات ترتيب العلاقات بين البلدين التي من ضمنها تبادل التمثيل الدبلوماسي.
وأعلن الأسد، الذي فضّل خلال المؤتمر الصحافي المشترك أمس ترك الكلام للرئيس سليمان، أن وزير خارجيته وليد المعلم سيزور لبنان قريباً ليحمل دعوة رسمية إلى الرئيس اللبناني لزيارة دمشق. ورداً على سؤال هل سيرافقه رئيس الوزراء فؤاد السنيورة في هذه الزيارة، قال سليمان إن «الدعوة ستوجه للرئيس فقط».
وفي ما يخص حدث موضوع التبادل الدبلوماسي، قال سليمان إنه «يجري البحث في وضع آليات لذلك». وعما إذا كان موضوع مزارع شبعا قد بُحث مع الأسد، أوضح الرئيس اللبناني أن «موضوع المزارع وكل المواضيع الأخرى ستكون على طاولة الحوار مع الرئيس الأسد». ورأى سليمان أن المخرج الوحيد لحل الأزمة اللبنانية هو «تطبيق قرار الدوحة وتطبيق القرارات التي سبقت قرارات وزراء الخارجية العرب»، مشدداً على أنه «بُدئ بذلك». وأعلن الأسد أنه سيجري التنسيق مع لبنان في ما يخص المفاوضات مع إسرائيل، التي قال إنها لا تزال في بدايتها. وأضاف «تحدثنا أننا سننسق بالتفاصيل بشأن المفاوضات عندما تنضج الأمور وتصبح واضحة، بكل تأكيد لبنان سيكون له دور أساسي في عملية السلام».
وذكر المتحدث باسم الرئاسة اللبنانية، رفيق شلالا، بعد القمّة، أن الرئيسين السوري واللبناني بحثا العلاقات الثنائية و«كل القضايا العالقة» بين البلدين «بما فيها مسألة السفارات»، موضحاً أن «آلية لفتحها ستُدرس».
وأوضح شلالا أن الأسد وسليمان بحثا في «مسألة المفقودين اللبنانيين» في سوريا الذين يقدّر عددهم بنحو 650 شخصاً، موضحاً أن الرئيس السوري «أكد اهتمامه بمتابعة الموضوع مع الجهات المختصة».
وكان الرئيس اللبناني قد حظي باستقبال حافل في باريس، ولا سيما أن برنامجه كان زاخراً بشقيه الرسمي «الطويل» والشعبي «الزاخم والعاطفي». وبدأ البرنامج مباشرة عقب وصوله إلى العاصمة الفرنسية واستقباله في الإليزيه، حيث قدم إليه الحرس الجمهوري الفرنسي التحية واستقبله ساركوزي عند سلم القصر. وعلمت «الأخبار» أن الرئيس الفرنسي استهل اللقاء بشكر سليمان على تلبيته الدعوة لحضور «قمة الاتحاد من أجل المتوسط»، معتبراً أن مشاركته عامل مهم في هذه القمة، ثم هنّأه على تأليف الحكومة الجديدة، مشدداً على الدور الذي أدّاه للوصول إلى توافق بين اللبنانيين.
وبحسب المصادر نفسها، فإن ساركوزي جدد التأكيد على «الدعم الكامل لفرنسا لتجاوز المرحلة الراهنة»، مشدداً على «الصداقة الفرنسية اللبنانية»، ثم تطرق إلى «العملية السلمية في منطقة الشرق الأوسط» والجهود التي يبذلها الجميع لإحلال السلام.
وشكر سليمان، بحسب المصادر، ساركوزي. وجدّد التزام لبنان تطبيق المبادرة العربية للسلام والتمسك باستعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وتطبيق القرارات الدولية وضمان حق العودة للفلسطينيين. وبحسب المصدر، فإن سليمان وجّه كلامه للرئيس الفرنسي قائلاً «بالتزامكم السلام العادل تكونون تدعمون لبنان».
بعد ذلك تطرق الحديث إلى اتفاق الدوحة ومراحل تطبيقه، وشرح سليمان الآلية التي ينوي اعتمادها للحوار بين اللبنانيين. وعلمت «الأخبار» أن المباحثات تناولت الشق الاقتصادي من التعاون الفرنسي ـــــ اللبناني.
وفي تصريحات للصحافيين بعد القمّة، رفض سليمان مسمّى «تطبيع العلاقات السوريّة ـــــ اللبنانيّة»، مؤكداً على أن «العلاقات مع سوريا طبيعية وليست تطبيعية». وأضاف، ردّاً على سؤال عن العلاقات مع سوريا «أنها صفحة قديمة ـــــ جديدة وأنا مرتاح جداً للعلاقات التي ستجري بيننا وبين سوريا».
وانتقل الرئيس اللبناني بعد ذلك إلى مقر إقامة الرئيس حسني مبارك باعتباره شريكاً في رئاسة الاتحاد من أجل المتوسط، قبل أن يعود برفقة الأمير القطري حمد بن خليفة آل ثاني إلى الإليزيه لعقد «قمة رباعية مصغرة» مع ساركوزي والأسد، أعقبها مؤتمر صحافي رباعي، أعلن خلاله سليمان، بعد تقديم «الشكر الكبير» إلى الرئيس الأسد «الذي دعم لبنان وأبدى استعداداً كاملاً لدعمه في مسيرته التوافقية واستقلاله واستقراره»، أن القمة بحثت «مستقبل العلاقات الثنائية اللبنانية ـــــ السورية». وأضاف إنه جرى «التوافق على إقامة علاقات دبلوماسية»، معلناً أنه سيجري التنسيق بين العاصمتين لاتخاذ «التدابير القانونية والإدارية اللازمة لوضع هذا الاتفاق موضع التنفيذ» في أسرع وقت. ونوّه بـ«أننا نتطلع إلى معالجة موضوع ترسيم الحدود وضبطها من خلال آليات معيّنة».
وفي معرض رده على «احتمال دخول لبنان في مفاوضات مع إسرائيل»، قال سليمان «نحن ننتظر من إسرائيل التزام تطبيق القرارات الدولية»، مذكّراً بالقرار ١٧٠١ «الذي مضت سنتان على صدوره وحتى الآن لم تنسحب إسرائيل من بلدة الغجر»، إضافة إلى «عدم انسحابها من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا». وأضاف «إننا ننتظر رفع الظلم عن الفلسطينيين المهجرين الذين يعيشون حالة بؤس في وطننا ولا يمكن تركهم في هذه الحالة». وتابع «ننتظر أن تفي إسرائيل بهذه الالتزامات حتى نرى لاحقاً موضوع السلام ونحن جاهزون له». وفي أعقاب المؤتمر الصحافي، توجه سليمان إلى حفل استقبال أقامه السفير اللبناني في باريس، بطرس عساكر، في جناح «دارمونفيل» على أطراف غابة بولونيا، حضره حشد من أبناء الجالية، بعضهم جاء من «مناطق بعيدة لتحية الرئيس الجديد وتهنئته»، كما صرح أكثر من مشارك لـ«الأخبار». كما لوحظ الحضور اللافت للأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، وعدد من السفراء العرب.
وتوجه سليمان، خلال الحفل، إلى الحضور مكرّراً إصراره على أن «تعمل الحكومة» لتحقيق طموحات المواطنين. وجدد وصف «تحرير الأسرى اللبنانيين» بأنه «إنجاز وطني كبير» وأن «المصالحة الوطنية ستبدأ بانطلاق الحوار من بعبدا».