تساؤلات التوريث لا تزال تشغل الشارع المصري. من هو الرئيس المقبل في ظل غياب نائب للرئيس اعتاد حكماً أن يتولى المنصب فور شغور المنصب الأول. الأنظار تتجه دائماً إلى الجيش الذي توالى قادته على الحكم منذ ثورة عام 1952. الجيش اليوم يعود إلى الواجهة بعد تسريب معلومات عن اتفاق قادته على سيناريو ما بعد حسني مبارك. سيناريو لا يبدو يصب في مصلحة توريث جمال
وائل عبد الفتاح

هل اختار الجيش فعلاً اسم خليفة حسني مبارك؟ لا نعرف طبعاً. فالجيش في مصر مؤسسة غامضة. رمز للكهنوت السياسي يفرض حضوره وقوته. ليس بالقوانين أو مواد الدستور. لكن بالتاريخ والسيطرة عن بعد. كما أنه مع غياب المؤسسات المدنية أو عجزها، وابتلاع النظام كلّ الدولة، يبقى الجيش «المؤسسة الوطنية الوحيدة» الموثوق فيها. هي المؤسسة الحاكمة منذ 56 سنة، رغم أنها مجهولة بالنسبة للجميع، لا أحد يعرف تركيبتها أو هواها السياسي. وهل هي مؤسسة واحدة أم أجنحة تتصارع؟ هل تتحرك المؤسسة العسكرية بجهاز سرّي يحدد قراراتها؟ متى تتحرك؟ مع من تقف؟ كيف تحسم ساعة الخطر؟ لا أحد يعرف، وبالتالي الجيش هو أسطورة الحياة السياسية في مصر.
المعارضة ركزت طوال 50 سنة على ضرب سيطرة العسكر على السلطة. وطالبت بعودة الجنرالات إلى ثكناتهم. لكن إذا سألت أحداً اليوم من المعارضة عن المستقبل، سيقول لك إجابة متشابهة: «بالتأكيد الجيش عنده سيناريو». ستختلف حالة القائل بين مطمئن إلى أن السيناريو سينفذ، وبين مكتئب لأنه البديل الوحيد، وبين واقعي يرى أنه الحل الأمثل. لكن الإجابة الغالبة ستكون باتجاه أن الجيش هو المخلّص.
الجميع في انتظار العسكر من جديد، كدليل على أن المؤسسات السياسية ناقصة النمو. والوضع سيئ، لدرجة أن الأمل أصبح في العودة إلى الوراء.
يبدو الجيش بعيداً عن السجال السياسي بشأن خليفة حسني مبارك. موقفه غير معلن لأن ليس له دور في التركيبة السياسية، على عكس الحال في تركيا. الجيش في مصر لا يؤدي دور حماية الدستور وصيانته. إنه مؤسسة سلطة غير معلنة. دورها غير محدد. ودفاعها الأساسي عن وجودها كشريك في الحكم. لا تهتم باتجاهات الدولة قدر اهتمامها بالحفاظ على استمرار الدولة، وهذا سر عودتها لسجال خليفة مبارك.
عادت بقوة أخيرا الأسماء العسكرية إلى بورصة الترشيحات لمناصب محيطة بالرئاسة. ظهر أولاً اسم الفريق أحمد شفيق كمرشح لمنصب نائب الرئيس. ثم عاد اسم عمر سليمان باعتباره رئيس مصر المقبل. وقالت تقارير صحافية أميركية إنه الاسم الذي استقرت عليه قيادات الجيش لخلافة مبارك.
عودة اسم عمر سليمان طبيعية، فهو الرجل القوي الذي يكاد يكون شريكاً أساسياً في حكم مصر. في يده الملفات الخارجية الهامة. ورغم أن موقفه من الملفات الداخلية غير معلن، إلا أن هناك من يروي أنه على رأس خمسة يلتقي بهم مبارك يومياً في أول يومه وقبل أن ينام، أي إنهم مجلس حكم فعلي.
هذه هي الحكايات المتسربة من قصر الرئاسة التي من المفترض أن تكون معلنة. لكن مصر لا تزال دولة أسرار. لا تعترف بالشفافية ولا بحق الشعب بأن يعرف كيف يدير الرئيس الدولة ومن هم معاونيه.
اسم أحمد شفيق هو الجديد. وتسرب مع ضجة كبيرة تشير إلى أن هناك رغبة في اكتشاف مرشحين لم يُطرحوا من قبل. وجوه جديدة بدلاً من التي أُطيح بها طوال سنوات مبارك. الأسماء الجديدة لا تزال مجهولة. وإن كانت هناك إشارات إلى أن مصر في انتظار مفاجآت من الجيش. وهو ما يفسر العودة القوية لأسماء عسكرية تقترب من الرئاسة. الإشارة تقول إن البحث قائم عن خليفة مبارك، وإن هناك من لا يريد ترك الأمر للصدفة أو للظروف. وظهور اسم جديد مثل الفريق أحمد شفيق يعني أيضاً أن هناك حيوية في النقاشات داخل المجموعة العسكرية القريبة من القرار السياسي.
هل هذه تسريبات؟ أم إعلان نوايا ورسالة إنذار مبكر؟ من المفيد استعادة ما رواه باحث مصري التقى وفداً عسكرياً في أميركا، وحين سُئل عن موقف الجيش من جمال مبارك. وماذا سيحدث ليلة غياب الرئيس مبارك في أي لحظة؟ الرد لم يكن مباشراً. كان سؤالاً أقوى: هل تعرف من هو صاحب القرار في تحديد من سيدخل قصر الرئاسة وقتها؟ ولأن الجيش في أعراف الدولة المصرية هو الذي يتولى هذه الأمور، فإن المعني المقصود هو أن الجيش هو الذي سيقرر في الأساس هل يدخل جمال مبارك قصر الرئاسة بعد غياب أبيه أم لا؟
عودة الأسماء العسكرية هي إشارة إلى تغيير في التوازن بين مجموعة حراس الدولة التقليدية (وأغلبهم من العسكر وينتمون إلى مجموعات اشتركت في حرب تشرين) ومجموعة جمال مبارك (التي صعدت مع اتساع مساحة ابن الرئيس في صناعة القرار السياسي). المجموعة الأخيرة هزمت في أكثر من موقعة، وهي في طريقها لفرض نموذج يرضي أميركا تماماً، ويجعلها تمنح جمال مبارك أوراق اعتماد. إضراب نيسان كان أخطر موقعة، والهجوم على الملياردير أحمد عز ليس بعيداً عن سير المعركة السرية.
ويبدو من قراءة الإشارات أن مجموعة تشرين تريد استعادة زمام الأمور بشكل لا ينفي تماماً المجموعة الجديدة، فالنظام لم يعد خالصاً لأصحاب البدلات الكاكي. فقد أصبح لرجال الأعمال حضور لا يمكن تجاهله في تركيبة ما بعد مبارك. وهذا ما يصعّب فكرة البحث عن مرشح للخلافة. وهذا سر صعود اسم أحمد شفيق، فهو ليس بعيداً عن مجموعة جمال مبارك، كما أن علاقته جيدة برجال الأعمال.
ومع احتراق اسم شفيق، تبدو المهمة الآن في اختيار شخص بمواصفات قريبة. ما يوحي بأن الجيش حسم قضية التوريث. ولم يعد مطروحاً الوصول إلى توافق بشأن جمال مبارك لخلافة أبيه. الأيام المقبلة ستكشف مفاجآت.


الانتخابات الرئاسية
عمر سليمان الرئيس المقبل!

القاهرة ــ خالد محمود رمضان
عاد مجدداً اسم الجنرال عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات العامة، ليتردد بقوة لخلافة حسني مبارك. صحيفة «لوس أنجليس تايمز» أشارت إلى أن من يتوقعون أن سليمان سيكون الرئيس المقبل، سرعان ما يتحدثون عن جمال مبارك كإحدى العقبات الأساسية، ولا سيما أنه تجري تهيئته أيضاً لكي يحل محل والده.
سليمان عمليّاً، مسؤول عن العديد من الملفات الخارجية في الجمهورية المصرية، وهو كرّس نفسه أخيراً كعرّاب لهدنة جديدة بين حركة «حماس» وإسرائيل.
وربما لا صورة ضاحكة أو باسمة واحدة للواء عمر سليمان، الذي سيحتفل خلال شهر تموز الجاري بعيد ميلاده الثالث والسبعين. فالجدية والصرامة تسيطران على ملامح وجهه دائماً، جعل البعض يصفه بأبي الهول. لكن مصادر دبلوماسية عربية وفلسطينية قالت إن «خلف الأبواب المغلقة يتحدث الرجل بطلاقة وبشكل مباشر وموجز، فهو يعرف كيف يصل إلى النقطة التي يريدها بشكل مباشر وحاسم في الوقت نفسه».


صحّة حسني مبارك كانت دائماً محل تساؤلات العديدين، وظهوره الأخير في باريس متكئاً على عكاز، أعاد إطلاق الشائعات بشأن صحته وسيناريو ما بعده

كان اسم عمر سليمان الأكثر ترداداً على ألسنة المتابعين للشأن المصري، ولا سيما أنه كان ملازماً لمبارك، وبمثاية نائبه غير المعلن


جمال هو الشغل الشاغل للمعارضين، باستثناء جماعة «الإخوان المسلمين». هؤلاء المعارضون مستعدون لقبول استمرار حكم العسكر لمنع أي توريث