التسليفات ترتفع بنسب عالية والانفجار أصبح حتمياً!رشا أبو زكي
تشهد قروض السكن المقدمة من المصارف التجارية وحدها ارتفاعاً ملحوظاً بحسب مصادر مصرفية، إذ ارتفعت بين عامي 2006 و2007 بنسبة 20,03 في المئة، فيما ارتفعت بين أيار 2007 وأيار 2008 حوالى 28,64 في المئة! أسعار متر الهواء في بيروت ارتفعت من مطلع عام 2008 حتى تموز الحالي 40 في المئة، ليصل متوسطه إلى 1500 دولار، بعدما كان الارتفاع خلال السنوات الأخيرة الماضية يسجل زيادة لا تتعدى 30 في المئة سنوياً. وتوقع مسؤول في شركة رامكو العقارية كريم مكارم أن ترتفع الأسعار نحو 60 في المئة حتى نهاية عام 2008!... ومستويات الأسعار الفلكية للعقارات والأراضي، تترافق مع تراجع متسارع للقدرات الشرائية للمواطنين، يدعمه ارتفاع بدلات الإيجار حوالى 20 في المئة سنوياً منذ عام 2006، وسعي أصحاب الأراضي والأبنية إلى استرداد أملاكهم سعياً إلى بيعها بمردود مرتفع!
إنها بوادر تكوّن «الفقاعة» إذن، ومن لا يعرف الفقاعة العقارية، فهي تعرّف بأنها «الارتفاع الحاد في أسعار العقار إلى مستوى لا يمكن دعمه بالعوامل الاقتصادية الأساسية، مثل الدخل، ما يؤدي إلى توقف مسار الارتفاع عند حدود معينة، ليعود إلى الانخفاض بسرعة. ويمكن النظر في إمكان تكوّن فقاعة العقار من خلال مقارنة أسعار الوحدات السكنية مع قدرة الناس الشرائية»... وانفجار الفقاعة يؤدي إلى كارثة تبدأ بعدم قدرة المواطنين على سداد أقساطهم المصرفية، وخسارتهم لرهونهم العقارية، وصولاً إلى أزمة مصرفية ناجمة عن عدم القدرة على تحصيل هذه الأقساط، وما يتبع ذلك من انهيارات في القطاعات الاقتصادية التي تعاني أصلاً من الهشاشة والوهن في لبنان!

نحو الانهيار القطاعي

وقد أصبحت أرضية لبنان صالحة لاجتذاب الفقاعة، إذ إن أسعار النفط المرتفعة تصيب هذا البلد بسهمين متوازيين: سهم زيادة التضخم وارتفاع أسعار المحروقات إلى مستويات قياسية والانخفاض الحاد في القدرة الشرائية من جهة، وسهم وفرة السيولة في البلدان النفطية وما نتج منها من هجوم الودائع المصرفية التي تحتاج إلى توظيف في قروض السكن والاستهلاك، وهجوم الاستثمارات العقارية العربية والاغترابية إلى لبنان من جهة أخرى. والنتيجة أن الفورة النفطية تستهدف القطاع العقاري في لبنان لتضرب في المقابل جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى المتأثرة سلباً بارتفاع أسعار النفط.
ويشرّح الخبير الاقتصادي شربل نحاس بوادر الأزمة، إذ يشير إلى أن ارتفاع سعر الأرض يرفع كلفة الإنتاج الزراعي وإيجار المحال التجارية، كذلك يدخل سعر الأرض في كلفة المنشآت العامة وعندما ترتفع أسعار الأراضي، تتأثر كل الأمور الأساسية في الحياة اليومية للمواطنين وللقطاعات الاقتصادية. وغالباً ما ترتفع أسعار الأراضي، لأن مردود الأنشطة التي يمكن إقامتها على الأرض قد ارتفع، إلا أن ما يحدث في لبنان هو أن ارتفاع الأسعار ليس ناتجاً من ارتفاع في الإنتاجية الاقتصادية، بل العكس، فارتفاع أسعار الأراضي سيضرب النمو الاقتصادي لعدد كبير من القطاعات الأساسية بسبب ارتفاع أكلافها المرتبطة بسعر الأرض. ويضيف نحاس أنه يوجد صناعيون يستعجلون إقفال مصانعهم لبيع الأرض، ما يوفر لهم مردوداً مرتفعاً لا يمكنهم توفيره من إنتاج معاملهم. وهذا الموضوع ينعكس على اليد العاملة وارتفاع نسبة البطالة.
وتسجّل أسعار الأراضي ارتفاعات متتالية وبوتيرة متسارعة، وهي ليست ظاهرة ظرفية، وتأثيرها السلبي يمكن أن يدمر الوضعية الاقتصادية اللبنانية في المستقبل. ويلفت نحاس إلى أن من غير الطبيعي، ألّا يكون هناك أية ضوابط لعملية شراء الأراضي، وأن لا تفرض الدولة ضرائب عقارية تكبح الفورة القائمة، فالمسؤولون يتغافلون عن إقرار المخطط العام التوجيهي للأراضي، بحيث تُعَدُّ جميع الأراضي صالحة للبناء، ما يرفع أسعار جميع العقارات في جميع المناطق الجغرافية.

العقار والأسعار... علاقة سببيّة

البعض يصرّ على إيجابيات ارتفاع أسعار العقارات، وهذا ما يرفضه مدير مؤسسة البحوث والاستشارات، كمال حمدان، الذي يؤكد أن الأضرار التي تنتج من هذا الواقع كبيرة، وخصوصاً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، إذ إن ارتفاع أسعار العقارات ينعكس بشكل مباشر وغير مباشر على المستوى العام للأسعار، وإن كانت موجات الارتفاع تمتد زمنياً، بحيث تستمر تفاعلاتها لفترة زمنية طويلة. وما يعزز هذا الرأي أن الكثيرين من العملاء الاقتصاديين، ولا سيما غير المعنيين بالاستثمار العقاري يجدون أنفسهم متضررين من ارتفاع أسعار العقار، فيميلون بالتالي نحو إعادة النظر في معدلات الربح في النشاطات الاقتصادية التي يتركزون فيها. كذلك تطال هذه الانعكاسات عقود الإيجارات الجديدة والعقود القابلة للتجديد، فالارتفاع يضغط في اتجاه تصحيح مستويات بدلات الإيجار، التي تطال خصوصاً الداخلين الجدد إلى سوق الإيجار، وهم الشباب الجامعيون، ومن هم في أعمار الزواج، وهؤلاء يجدون أنفسهم مضطرين لتخصيص جزء كبير من دخلهم لدفع بدلات الإيجار، فضلاً عن أن ارتفاع أسعار العقارات يعزز الخلل في بنية الاستثمار، بسبب الانحياز الاستثماري نحو العقار. وهذا النسق من الاستثمار لا يفتح أبواباً جديدة لفرص العمل والقيم المضافة القادرة على تطوير الاقتصاد، إذ إن الانتفاخ في الاستثمار العقاري يعني ضموراً نسبياً في أنواع أخرى من الاستثمار أكثر رقياً وأكثر توليداً للقيم المضافة وفرص العمل.
ونتيجة مجمل هذه العوامل فإن هذا النوع من النتائج من شأنه أن يعزز الخلل في توزيع الثروة الوطنية والناتج المحلي بين العملاء الاقتصاديين. وهذا لا يحصل بين يوم وآخر، بل ينتظر اكتمال المفاعيل الآتية من هذه الفورة.


35 مليار ليرة

قيمة التسليفات السكنية من المصارف من أول 2008 حتى أيار، فيما ارتفعت بين عامي 2006 و2007 من 25651503 إلى 30790562 مليار ليرة!


6000 قرض

عدد قروض مؤسسة الإسكان حتى نهاية 2008 بحسب رئيس مجلس الإدارة عبد الله حيدر بزيادة 2500 قرض عن 2006 و700 قرض عن 2007


70 في المئة

هي نسبة الاستثمارات التي تتجه نحو القطاع العقاري في لبنان التي أعلنها حمدان نقلاً عن الدراسات الرسمية


ليست لوحة فنية