من الممكن أن يستفيد العرب من أزمة طلب توقيف الرئيس السوداني عمر البشير، للإضاءة على جرائم أخرى كثيرة طاولتهم، بدل الغرق في البحث عن مخارج سياسيّة للأزمة
وائل عبد الفتاح
«سيناريو أرييل شارون 2003»، هذه هي إحدى الصيغ التي نصحت فيها مصر السودان للخروج من أزمة الرئيس عمر حسن البشير مع المحكمة الجنائية الدولية على خلفيّة أحداث دافور.
النصيحة المصرية استفادت من إجراءات هرب آرييل شارون مما كان من الممكن أن يؤدي إلى الاعتقال في بلجيكا عام ٢٠٠٣، حين أقام عدد من المحامين والنشطاء العرب والبلجيكيين دعوى ضده لارتكابه جرائم حرب وإبادة جماعية في مجزرة صبرا وشاتيلا. وتم اختيار بلجيكا وقتها لأنها إحدى الدول (معها فرنسا وهولندا والسويد والدانمارك) التي ينظر فيها القضاء البلجيكي، وفق نظام الاختصاص الجنائي العالمي، بجرائم الحرب والإبادة الجماعية وإن لم تقع الجريمة على أرض بلجيكا.
القضاء البلجيكي أصدر قراراً بالقبض على شارون، إلا أن هيئة الدفاع والحكومة الإسرائيلية تقدمت بطلب فتوى من محكمة العدل، التي أفتت بأنه لا يجوز محاكمة من يتمتع بحصانة الرؤساء.
وبناءً عليه، فالنصيحة المصرية تستند إلى التقدم بطلب فتوى مماثلة، على أمل صدور قرار يحاكي قضيّة شارون. غير أن مصادر قانونية علّقت لـ«الأخبار» بأن «الوضع مختلف» وأن فتوى محكمة العدل تنجح في مرحلة ما قبل تفعيل المحكمة الجنائية الدولية.
«سيناريو شارون» أحد الخيارات أمام الحكومة السودانية، التي قد تستخدم مهلة العرض أمام دائرة محكمة الجنايات للسعي إلى تقديم خطة سلام شامل في دارفور. ستحاول أن تكون جدية وتضمنها بعض الدول التي لها خطوط اتصال مع دول أوروبية، إضافة إلى الولايات المتحدة.
الخطة ستقدم إلى مجلس الأمن ليستخدم صلاحيته في المادة ١٦ من قانون المحكمة الجنائية الدولية لطلب تأجيل التحقيق ١٢ شهراً إضافية. وفي هذا السيناريو سيكون على السودان تقديم ضمانات عملية، ربما يكون في مقدمها تسليم المتهمين الرئيسيين أحمد هارون وعلي كشيب ومحاسبة المتورطين في مذابح دارفور.
وغالباً ستكون مساندة الجامعة العربية وحكوماتها مجرد سند عاطفي أو استخدام لعلاقات بعض الدول مع القوى العظمى والمؤثرة في مجلس الأمن، وإن الاعتماد على مبدأ «حصانة الرؤساء» لن يكون فعالاً بالنسبة إلى دول ساهمت بفعالية في محاكمة سلوبودان ميلوسيفيتش ومن بعده صدام حسين. وإذا كانت المجموعة العربية قد غضت الطرف عن محاكمة رئيسين في خمس سنوات فسيكون من الصعب عليها أن ترفع «حصانة الرؤساء» للدفاع عن البشير.
كذلك، فإنه في ظل حماسة الأنظمة العربية للوقوف مع البشير يمكن أن تضعف قدرات العرب لاستخدام أدوات المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة قادة إسرائيل المسؤولين عن المذابح في فلسطين ولبنان ومصر وسوريا. وربما لا تلتفت الدبلوماسية التقليدية العربية إلى اختلاف المحكمة الجنائية الدولية عن أدوات أخرى تقع بالكامل تحت السيطرة الأميركية والإسرائيلية.
في المحكمة الجنائية فرصة يمكنها أن تفتح أمام الدبلوماسية العربية باب استعادة زمام المبادرة، وملاحقة مجرمي الحرب الأميركيين والإسرائيليين، وهذا يتطلّب التحول من الضغط لمصلحة البشير إلى الضغط عليه لتقديم المتورطين في مذابح دارفور.
هذه معركة دبلوماسية وقانونية لو أديرت بذكاء لأمكن أن يحوّلها العرب من «هزيمة» إلى «نصر».


«سيناريو أرييل شارون 2003»، هو نصيحة مصر للسودان للخروج من أزمة عمر البشير مع المحكمة الجنائية الدولية. النصيحة استفادت من إجراءات هرب شارون من الاعتقال في بلجيكا، عبر طلب فتوى من محكمة العدل نصت على عدم جواز محاكمة من يتمتع بحصانة الرؤساء.