تنقل الأقراص المنشّطة جنسيّاً وبذور النباتات وشرائح الهواتف الخلويّة المصريّةغزة ــ قيس صفدي
إذا كانت «الحاجة أم الاختراع»، فيمكن القول إن حصار قطاع غزة فتح الباب أمام ابتكارات فلسطينية للتحايل على وسائل المنع الإسرائيلية الكثيرة، ولا سيما أن هذا المنع طاول الكثير من مستلزمات الحياة.
وسائل الابتكار اختلفت أنواعها وأشكالها. هي لم تكن معهودة لدى الغزاويين حتى الأمس القريب، لكنها كانت وليدة حاجة ملحّة للتزوّد بما يحتاجون إليه في ظل استمرار إغلاق المعابر.
غزة لم تستسلم، فمن الأنفاق الأرضية المنتشرة تحت الحدود في منطقة رفح التي باتت عبارة عن جمهورية أنفاق، دفعت الكثير من المهربين إلى اللجوء إلى مناطق أخرى متاخمة للحدود، مروراً بالتهريب عبر البحر الذي تحوّل مدّه إلى موصل جيّد للبضائع إلى الشاطئ الغزواي، وصولاً إلى التحايل على المعابر الإسرائيلية عبر إمرار مواد ممنوعة في طي أخرى مسموحة.
إضافة إلى هذه الوسائل، التي نجح سكان غزة عبرها في الصمود في وجه الحصار الإسرائيلي، تبرز أساليب طريفة وغير اعتيادية للتهريب، كتلك التي يلجأ إليها فتية فلسطينيون عبر استخدام الطائرات الورقية لتهريب مواد خفيفة أدرجتها قوات الاحتلال على مدار عام كامل على قائمة البضائع الممنوعة من دخول غزة.
المشهد يبدو عادياً ومألوفاً في بادئ الأمر، فتية يلهون بطائراتهم الورقية الملونة على جانبي الحدود المصرية الفلسطينية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة. مشهد لا يلفت أنظار حرس الحدود المصرية، ولا سيما أن هذه وسيلة لهو معتادة في فصل الصيف. غير أن الغاية ليست اللهو، بل التهريب وكسب لقمة العيش.
تحرير (16 عاماً)، واحد من هؤلاء الفتية، يفتخر بأنه وصديقه محمد كانا أول من ابتكر هذه الوسيلة للتهريب، بالتعاون والتنسيق مع صديق مقيم في الشطر المصري من مدينة رفح الحدودية.
وفي التفاصيل، يتحكم تحرير بطائرته الورقية بواسطة خيط في أحد يديه، بينما يتواصل مع «الطفل المهرب» الممسك بطائرة ورقية مماثلة في الجانب المصري بواسطة هاتف نقال. وقال تحرير، لـ«الأخبار»، إن آلية التهريب تعتمد على تعانق الطائرتين وتشابكهما، وهو أمر يحتاج إلى صبر طويل كي تتم السيطرة عليه والتحكم به، قبل أن يفلت المهرب في الجانب المصري طرف الخيط، لتُجذب الطائرتان إلى الجانب الفلسطيني بما تحملانه من مواد وبضائع خفيفة الوزن.
«هبطت الطائرتان بسلام» بعد محاولات مضنية، قال تحرير بسعادة غامرة، بينما انشغل في «فك» خيوط ثلاثة عصافير زينة صغيرة ربطت بعناية في الأقطاب الخشبية للطائرة الورقية.
ويبرّر تحرير لجوئه إلى التهريب منذ موسم الصيف الماضي بأن والده لا يعمل منذ بضعة أعوام، ولا يمكنه توفير احتياجات الأسرة المكوّنة من تسعة أفراد، فما كان منه إلا الاعتماد على نفسه لتوفير ما يحتاج إليه.
وقال تحرير إن «التهريب ليس عيباً، بل إنها تجارة مشروعة. نحن لا نسرق أحداً، ولا نعتدي على حقوق أحد، نشتري ونبيع في ظل حصار حرمنا من كل شيء». ورفض الإفصاح عن ثمن هذه العصافير في مصر، غير أنه يبيعها في غزة بنحو 50 شيكلاً (الدولار يعادل 3.3 شيكلات)، لافتاً إلى أن التهريب بالطائرات الورقية ليس سهلاً كما يعتقد البعض، ويحتاج إلى وقت وصبر.
ويشكو تحرير من تعرض طائراته الورقية إلى التلف أحياناً، أو الهبوط في المكان الخطأ، ما يعرّضه للخسارة ولمزيد من الجهد في صناعة المزيد من الطائرات الورقية كوسيلة للتمويه والتغطية على «طائرة التهريب» الحقيقية، فضلاً عن كلفة المكالمات الخلوية، غير أنه اختتم حديثه بابتسامة عريضة، وقال: «الرزق بدو خفة وتشغيل مخ».
محمد، شريك تحرير في التهريب، قال «إن التهريب لا يقتصر على طيور الزينة، بل يشمل كل شيء يسهل بيعه في غزة من مواد خفيفة الوزن وتحقق ربحاً معقولاً».
وبدا محمد (16 عاماً) أكثر جرأة من تحرير في الحديث عن المواد التي تُهرّب، كاشفاً النقاب عن أن عدداً من التجار وأصحاب الصيدليات، ومواطنين عاديين، يطلبون إليهم تهريب أصناف من الدواء المفقودة في غزة، والأقراص المنشطة جنسياً كالفياغرا، وبذور النباتات، وحتى شرائح الهواتف الخلوية المصرية التي تعمل في بعض مدن قطاع غزة القريبة من الحدود وكلفتها المادية متواضعة.
التهريب بهذه الوسيلة، بحسب محمد، يقتصر على موسم الصيف الذي يكثر فيه لجوء الأطفال والفتية للهو بالطائرات الورقية. وقال: «إن طرفي التهريب يحرصان على تنفيذ المهمة في ساعات الظهيرة، حيث استراحة الجنود المصريين من حرس الحدود، واختفاؤهم للاحتماء من حرارة الشمس اللافحة».