ضُبطت إسرائيل غير جاهزة وغير مستعدة للانعطافة الأميركية حيال إيران. إدارة بوش لم تشاورها في لقاء جنيف، ولا في مبادرتها لفتح مكتب رعاية مصالح في طهران.
هآرتس ـ ألوف بن
الموقف الأميركي الجديد تجاه إيران ذو مترتبات واضحة: كلّما تواصلت اللعبة الدبلوماسية، فإن احتمالات شن عملية عسكرية ضد المشروع النووي الإيراني تصبح معدومة. لن يكون هناك قصف للمنشآت النووية، ولن يُفرض حصار بحري أيضاً أو حظر للرحلات الجوية من إيران كما اقترحت إسرائيل. كما أن وضع أقل الدبلوماسيين الأميركيين مرتبة في طهران، من أجل «التحدث مع الشعب الإيراني»، سيمنح النظام الإيراني حصانة مطلقة.
في القيادة الإسرائيلية، ما زال هناك أمل بأنهم لم يفقدوا كل شيء، وأن هذه خطوة تكتيكية أميركية هدفها الإغراء الدبلوماسي ومحكوم عليها بالفشل مسبقاً، وهي تأتي لشق الطريق أمام الهجمة. ولكن هذا وهم. ليس لدى الجمهور الأميركي اليوم أي شهية للشروع بحرب إضافية. الجيش يعارض فتح جبهة ثالثة في إيران بعد أفغانستان والعراق. الأميركيون أكثر قلقاً من أسعار الوقود المرتفعة مقارنةً بخطر الذرة الإيرانية. وتبين أن التسوية مع إيران هي الأفضل والأكثر فعالية من بين كل الخطوات التي قام بها جورج بوش لحل مشكلة الطاقة. الإدارة الأميركية حققت خفضاً فورياً بنسبة 12 في المئة في أسعار النفط في مقابل تكلفة تذكرة طيران واحدة اشترتها للدبلوماسي وليام بيرنز الذي توجه إلى جنيف للمشاركة في المباحثات.
إشارات الليونة في الموقف الأميركي ظهرت من الخريف الماضي. خبراء أميركيون أوضحوا لنظرائهم الإسرائيليين أن عليهم أن ينسوا أمر العملية العسكرية ضد إيران. «نحن نتوجه نحو الحوار معها، وهذا ملائم أيضاً لإسرائيل»، قال الأميركيون بحماسة. «وحتى إن حصلت إيران على القنبلة النووية، فستكون السفارة الأميركية في طهران أفضل ضمانة للاستقرار والهدوء في المنطقة».
نشر التقرير الاستخباري الأميركي، الذي أشار إلى أن الإيرانيين قد توقفوا عن مشروعهم النووي العسكري في عام 2003، أقنع وزير الدفاع إيهود باراك بأن إدارة بوش لن تعالج المشكلة الإيرانية، وأنها ستدحرجها نحو خليفتها.
في إسرائيل، التي يُعدّ فيها القصف من الجو حلاً شائعاً لكبح المشاريع النووية في الدول المعادية في الجوار، لم يكونوا راضين بالمرة عن ذلك. الشعور كان أن الوقت يضيع، وأنه إن لم يوقف بوش مشاريع منشآت تخصيب اليورانيوم في نتانز، من خلال هجمة أميركية أو المصادقة على عملية إسرائيلية، فستتحول إيران إلى دولة نووية عظمى. إيهود أولمرت حاول تغيير موقف الرئيس. هو طرح عليه تقييماً استخبارياً مناقضاً، واعتقد أنه قد نجح في معادلة تأثير الوثيقة الأميركية. في شهر نيسان، شدد أولمرت من خطابه. «أنا أريد أن أقول لمواطني إسرائيل»، قال في مقابلة مع «هآرتس»، «لن تكون لدى إيران قدرة نووية». نجاح أولمرت في تدمير المفاعل النووي المشبوه في سوريا في آخر الصيف الماضي، أقنعه على ما يبدو بأن من الممكن التقدم نحو الهدف التالي.
بوش ألمح في البداية إلى أنه يميل إلى هذا الخط، مثلاً عندما رأى الهجمة الأميركية ـــ الإسرائيلية على سوريا «رسالة إلى إيران». إلا أن الرياح تغيرت في الشهر الماضي. البنتاغون شرع في سلسلة تسريبات ضد الهجمة الإسرائيلية على إيران. بوش خرج إلى أوروبا وصرح من هناك أنه يترك وراءه إطاراً دوليا لمعالجة القضية. من ينوِ الشروع في الحرب في الصيف أو في الخريف لا يتحدث بهذه الطريقة، يقول ذلك من يبحث عن إنجاز سياسي قبل انتهاء ولايته. تجاهلوا ذلك في إسرائيل، وواصلوا إطلاق تهديداتهم. السفير سالي مريدور حذّر في مقابلة مع «واشنطن بوست» من عملية عسكرية إسرائيلية، ودعا إلى التوقف عن إمداد إيران بالبنزين، «حتى لا يتمكن مهندسو الذرة وقادة الإرهاب الإيرانيون من التوجه إلى العمل». بعد ذلك بثلاثة أيام، تغيرت السياسة الأميركية ولكن في الاتجاه المعاكس.
الآن يتوجب على القدس أن تغير توجهها ونهجها أيضاً. بدلاً من الغوص في آمال وهمية بشأن قصف بوش لإيران، يجدر النظر إلى الجوانب الإيجابية للحوار الأميركي مع طهران والإصرار على الحفاظ على مصالح إسرائيل. أولاً، وقبل كل شيء، يتوجب منع أي ربط بين نزع سلاح إيران النووي وإغلاق المفاعل النووي في ديمونا وإضعاف قدرة الردع الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، يتوجب المطالبة بالإيقاف التام لعمليات تخصيب اليورانيوم، وفي حالة نجاح إيران في التملص، رغم ذلك، يتوجب المطالبة بتعويض على صورة ضمانات أميركية وتكنولوجيا متطورة ضد الصواريخ. الدبلوماسيون، خلافاً لملاحي الجو الحربيين، لا يحصلون على أوسمة بطولة، لكن يتوجب منحهم فرصه لكبح المشروع النووي الإيراني، كما فعلوا في ليبيا وكوريا الشمالية.