حسام كنفانيالسادس والعشرون من تموز، تاريخ جديد يدخل إلى الساحة الفلسطينية. ساعات قليلة خلقت واقعاً جديداً على الأرض تختلف معه المعطيات التي كانت سائدة ما بعد الحسم العسكري في 14 حزيران 2007

1) الانفجار على شاطئ غزة يوم الجمعة الماضي يمثّل سابقة في الصراع الفلسطيني - الفلسطيني الجديد منذ 2006. من هو منفذه؟
شبهات تنفيذ الانفجار لا تقتصر على طرح واحد، وتختلط فيها التحقيقات الجنائية مع التحليلات السياسية، التي تؤدي بالنهاية إلى طرفين أساسيين. بقايا حركة «فتح» في قطاع غزة، وهي كانت وجهة الاتهام الأولى لحركة «حماس»، التي بدأت حملة انتقامية. التقديرات السياسية، بحسب مصادر مطلعة على ما يجري داخل قطاع غزة، لا تستبعد أن يكون التيار «الفتحاوي» الرافض للحوار مع الحركة الإسلامية وراء التفجير لإعادة حال الصراع بين الطرفين إلى المربع الأول وقطع الطريق على أي جهود حقيقية للحوار الداخلي.
وجهة الاتهام الثانية تتجه إلى السلفيين والحركات التكفيرية في قطاع غزة. حركات تؤكّد مصادر أنها من «تفريخ» ماكينات «حماس»، لكنها فقدت السيطرة عليها في الآونة الأخيرة. وتستدل على ذلك بتحول الخطاب «الحمساوي» في الآونة الأخيرة تجاه هذه القوى؛ فمن نفي لوجودها إلى شكوى، عبّر عنها وزير الداخلية في الحكومة المقالة، سعيد صيام، من مجموعات أصولية تقوم بتفجيرات للكنائس ومحالّ الإنترنت.
ووقوع التفجير على شاطئ غزّة، له ما يبرره بالنسبة إلى هذه القوى الأصوليّة، ولا سيما أنها تجد أن الشاطئ تحوّل إلى «بؤرة للرذيلة»، فبرأيها أن السباحة في البحر، حتى بالملابس الشرعيّة، مخالفة للسنة النبوية ومحرّمة.

2) ما حقيقة وضع الانفجار في سياق تصفية حسابات داخل «حماس»؟
هذه وجهة ثالثة للاتهامات، وهي أن يكون الانفجار جزءاً من تصفية حسابات في صراع بين تيار براغماتي وآخر متشدّد، يتقدمه القيادي نزار ريان، الذي وصّف أخيراً الصراع مع «فتح» بأنه «معركة إسلام ورِدّة؛ معركة الإسلاميين ضد العلمانيين». وريان من مناصري تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو يتقاطع في ذلك مع التيارات السلفية، على عكس التيار البراغماتي الذي يرى في تطبيق الشريعة قطيعة مع مصر.

3) هل انفجار غزة يبرّر حملة الاعتقالات الكبيرة التي تقوم بها «حماس»؟
الانفجار يمثّل سابقة في الصراع الفلسطيني الداخلي، ولا سيما أن سياسة الاغتيالات لم تظهر في المعارك الداخلية في الفترة الأخيرة إلا نادراً، وبرزت حالتان هما اغتيال موسى عرفات وأطفال اللواء بهاء بعلوشة عام 2006. والحادثتان كانتا عبر إطلاق نار، لا تفجير.
«حماس» كانت معنية بإظهار قبضتها الحديدة على القطاع قبل أن تفلت الأمور من يدها، ولا سيما أن الانفجار قد يكون نموذجاً لسيناريو فوضى، تتحوّل معه غزّة إلى عراق آخر بتفجيرات متنقلة من منطقة إلى أخرى، وخصوصاً أن يوم الجمعة وحده شهد ثلاثة تفجيرات في ثلاثة أماكن مختلفة، كان أقواها انفجار الشاطئ.
غير أن حملة الاعتقالات، واشتمالها على شخصيات سياسيّة من حركة «فتح»، تتجاوز الطابع الأمني للرد «الحمساوي»، وتحمل في طياتها أكثر من رسالة سياسيّة مغلفة بعنوان أمني.

4) ما هي غاية «حماس» السياسيّة والميدانية من الحملة الأمنية؟
قد يكون الهدف الأول لحركة «حماس» الرد على خطوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتجاهلها في دمشق، عبر إظهار قوتها في قطاع غزة، وهو ما بدأت تفعله فعلياً، ولا سيما أن «فتح» عادت في الآونة الأخيرة إلى العمل العلني وبدأت باستقبال مبعوثين من رام الله. والحملة على «فتح» في غزة لم تكن وليدة الأمس، بل قد تكون بدأت منذ منع «حماس» سفر عضوي اللجنة التنفيذية للحركة، زكريا الآغا ورياض الخضري، الأسبوع الماضي.
أيضاً فإن الحملة مناسبة لـ«حماس» للانتهاء من خصوم داخليين في القطاع في مقدمتهم «جيش الإسلام»، الذي خاض أمس اشتباكات عنيفة مع «حماس»، رغم أن الحملة كانت تستهدف «فتح» في العلن.

5) كيف من الممكن أن تستثمر «حماس» حملتها الأمنية في السياسة؟
بعد الحملة الأمنية في القطاع، من الممكن القول إن العمل العلني لـ«فتح» انتهى من غزة. و«حماس» في هذه الحالة أعادت الأمور إلى اليوم التالي للحسم العسكري مباشرة، إضافة إلى إتخام سجونها بعشرات المعتقلين الجدد للحركة.
هذه الحملة خلقت واقعاً جديداً على الأرض من الممكن استثماره في أي حوار مقبل مع محمود عباس، عبر خفض سقف مطالبات السلطة، وخلق تاريخ جديد للمفاوضة عليه في المرحلة المقبلة. فبدل مطالبة أبو مازن بعودة الوضع إلى ما كان عليه قبل الرابع عشر من حزيران 2007، ستكون المطالبة بعودة «فتح» إلى العمل الميداني في غزة منطلقاً للحوار الجديد.