تجاوز الشعور الإسرائيلي بالخسارة الناتجة من موافقة الحكومة على إجراء عملية التبادل بصيغتها الحالية، إلى كونها تنطوي على أبعاد وتداعيات استراتيجية يقدّر المعلّقون الإسرائيليون أن الدولة العبرية ستدفع أثمانها في المستقبل
علي حيدر

قارن معلّق الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»،رون بن يشاي، بين مبررات تأييد عملية التبادل بين حزب الله وإسرائيل ومعارضتها. وأوضح أن إنجاز عملية التبادل يؤدّي، بحسب مؤيديها، إلى إنهاء معاناة عائلتي الجنديين، فضلاً عن كونها تعبّر عن «التزام الحكومة القيمي والأخلاقي، بالقيام بكل شيء من أجل استعادة الأسرى وإعادة المقاتلين الذين يخرجون إلى المعركة وإنهاء العذابات النفسية لعائلاتهم، نتيجة حال اللايقين» التي تشعر بها.
وأضاف بن يشاي: من دوافع تأييد الصفقة أيضاً أنه «لن يكون لدى إسرائيل، في أعقاب إنجاز عملية التبادل، معتقلون يشكلون رمزاً لحزب الله» ويمثّلون مبرراً للقيام بعمليات أسر جنود إسرائيليين. كما لفت إلى أن «نجاح حزب الله في ابتزاز إسرائيل ربما يقلّل حالياً من اندفاعه في الفترة القريبة، من أجل تنفيذ عملية انتقامية ردّاً على اغتيال قائده العسكري عماد مغنية».
لكن بن يشاي عاد وحذّر من أن «اشتعال الوضع على الساحة الفلسطينية سيؤدي إلى إيجاد وضع جديد يكون فيه لحزب الله والإيرانيين مصلحة في مساعدة الفلسطينيين على تحرير أسراهم».
وعنون بن يشاي مقالته «ليس فقط صفقة أسرى»، في إشارة إلى ما تحمله من أبعاد وتداعيات استراتيجية. وأوضح أن الموقف المعارض لعملية التبادل ينطلق من أن «المصادقة على تنفيذ صفقة التبادل بصيغتها الحالية تشكّل نصراً استراتيجياً وفكرياً ودعائياً لحزب الله، وستحسّن من قدراته في تحقيق إنجازات عسكرية نفسية وسياسية أخرى في مقابل إسرائيل على الساحة اللبنانية». وأشار إلى أن عمليات الأسر تشكل عنصراً أساسيّاً، إلى جانب إطلاق الصواريخ، في «استراتيجية الاستنزاف التي يتبعها» حزب الله. وأن «إدارته الوحشية» للمفاوضات هي جزء من تنفيذ هذه الاستراتيجية التي تهدف إلى «تقويض حافزية مواطني إسرائيل للعيش في البلاد وفي حافزيتهم للدفاع عن أنفسهم، مثل الاستعداد للخدمة في الجيش».
وأوضح بن يشاي أن «نجاح حزب الله في انتزاع الموافقة الإسرائيلية على هذه الصفقة يشكّل حافزاً إضافيّاً له من أجل القيام بعمليات خطف أخرى لجنود إسرائيليين في كل الظروف، سواء كانوا أحياء أو أمواتاً، من دون أن يبذل أي جهود بسيطة للحفاظ على حياتهم».
وحذّر بن يشاي من «توصل حماس إلى نتيجة مفادها أن أسر أي إسرائيلي، حتى لو لم يكن على قيد الحياة، يمكن أن يشكل ورقة مساومة جيدة وفعالة وأن تحصل في مقابله على معتقلين فلسطينيين». كما قدر بأن «خضوع وزراء الحكومة لضغط عائلات الجنديين سيشجع (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله على عرض مطالب إضافية».
وأشار بن يشاي إلى أنه لا يحسد الوزراء الذين صادقوا على الصفقة على موقفهم. وأكد أن المصادقة على هذه «الصفقة اللبنانية»، بحسب تعبيره، «ستؤدي إلى القيام بعمليات خطف أخرى». وأضاف: «الصفقة الوحيدة التي لا تضرّ بإسرائيل في المستقبل هي معادلة جثث مقابل جثث. وسمير القنطار مقابل معلومات مفصلة وجديدة عن مصير الملاح المفقود رون أراد لا أكثر ولا أقل». وتمنى لو تضمنت الصفقة بنداً يلزم كلاً من حزب الله وإسرائيل بعدم القيام بعمليات خطف متبادلة بينهما. ولو تحقق ذلك لكان يمكن أن يُنظر إلى هذه الصفقة بإيجابية.
بدوره، رأى الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية، اللواء احتياط شلومو غازيت، في صحيفة «معاريف»، أن المفاوضات التي تجريها إسرائيل مع حزب الله والفصائل الفلسطينية تسقط مقولة إن «اليهود تجار أذكياء ولا سيما في الصفقات التي يجرونها مع الأغيار». وتثبت مقولة عكسية بأن الأغيار «أشد ذكاءً منا بأضعاف مضاعفة». وبأن التصريحات التي أطلقها القادة الإسرائيليون أنهم لن يجروا مفاوضات مع آسري جنود إسرائيليين «لا تساوي قشرة بصل».
وأكد غازيت أيضاً أن فصائل المقاومة، التي تبادر إلى أسر جنود إسرائيليين، تعلّمت مع الوقت «أنه لا معنى للأحكام الصعبة التي تصدرها المحاكم في إسرائيل» لأن الحكومة الإسرائيلية في النهاية «تخضع وتنحني مرة بعد أخرى وتقبل بشروطهم».
وتوقف غازيت عند موافقة الحكومة الإسرائيلية على عملية التبادل مع حزب الله وتقديم «الثمن الذي يطلب منا دفعه» من دون أن تعرف مسبقاً مصير الجنديين إن كانا حيّين أو ميتين. ووصف ذلك بأنه بمثابة «شراء قط في كيس».
وعبّر غازيت عن أسفه إزاء عمليات التبادل التي تجريها إسرائيل لأنها «لن تكون كما يبدو آخر ما سنضطر إلى مواجهته في المستقبل». ولتفادي سلبيات خطر كهذا، دعا غازيت الكنيست أو الحكومة إلى «تشكيل لجنة تحقيق رسمية تفحص طريقة إجراء التفاوض في الصفقات المختلفة التي أجريناها. وأن تستخلص النتائج وتقترح سبل سلوك يكون من الواجب على الحكومة الأخذ بها والعمل بحسبها».
وتحت عنوان «حماس وحزب الله أكثر تفوقاً»، وصف معلق الشؤون العربية في صحيفة «هآرتس»، تسفي برئيل، المفاوضات بين حزب الله وإسرائيل بأن لها «جوانب سياسية متعددة الأبعاد». وأرجع ذلك إلى أن حزب الله أثبت بأنه هو «وحده القادر على إعادة معتقلين لبنانيين، لا الحكومة اللبنانية». ولفت إلى أنه «لم تحظ أي عملية سياسية بين إسرائيل وأي دولة عربية بشعور الاستعجال والإصرار المشتركين بين الجمهور والحكومة، مثلما يحظى به اليوم إطلاق سراح الأسرى».