لم يكن لوزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك خيارات كثيرة قبل عقد مؤتمره الصحافي أول من أمس. كان أمام خيارين لا ثالث لهما وهو يرى سفينة إيهود أولمرت تغرق في فضيحة موشيه تالنسكي: إما الصمت وتحمّل التبعات، أو الكلام ومواجهة التطورات بموقف قد يشفع له جماهيريّاً
حيفا ــ فراس خطيب

كان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك يفضّل ألا يسمع باسم رجل الأعمال الأميركي موشيه تالنسكي وأن يظل وزيراً للدفاع في حكومة إيهود أولمرت. كان بحاجة إلى مزيدٍ من الوقت ليقود خطوةً ما تعيد إليه «هيبة الجنرال القادم إلى السياسة»، حتى ينسى الجمهور الإسرائيلي فشله المدوي أمام أرييل شارون في شباط 2001، حين غادر رئاسة الحكومة متجهاً إلى الأعمال، مدوّناً في الأرشيف الإسرائيلي أقصر فترة لرئيس حكومة في تاريخ الدولة العبرية.
كان باراك بأمسّ الحاجة إلى هدوء ائتلافي يغلب نكصه للوعود بالانسحاب من حكومة أولمرت بعد التقرير النهائي لفينوغراد، وينقذه على مهلٍ من حضيض استطلاعات الرأي. لكنّ الشاهد الأميركي أجبره على التلويح بانتخابات مبكرة، في وقت غير مناسب له.
التكتيك أجبر إيهود باراك على «طعن أولمرت في ظهره»، كانت المصالح السياسية أقوى. أن يطالبه بالتنحي أو الاستقالة أو تعليق المهام. كان عليه الابتعاد عن سفينته الغارقة، لرسم صورة حديثة لنفسه، تختلف عن تلك التي تركها بعد انتفاضة الأقصى وكامب ديفيد الثاني.
في جلسة مغلقة جمعتهما قبل المؤتمر الصحافي لوزير الدفاع أول من أمس، قال باراك لأولمرت: «انظر إلى عناوين الصحف». لم يعاتبه أخلاقيّاً، لا يحق له أصلاً، فهو تورط أيضاً في السابق بقضية «الجمعيات» والفساد السلطوي بعد انتخابه عام 1999. لم يكن الحديث في حينه عن مغلفات، كان عن حقائب. باراك اليوم «يطعن» أولمرت سياسيّاً، محتسباً خطواته بدقة، وفضّل السيئ على الأسوأ: انتخابات مبكرة وتسجيل موقف، أفضل من انتخابات مبكرة من دون موقف.

يريد ليفني

لا يرغب باراك في سره بانتخابات إسرائيلية: حزبه يعاني من ديون متراكمة واستطلاعات رأي لم تمنحه ولو لمرة واحدة رئاسة الحكومة على الورق. بالنسبة إليه اليوم، الحل الوسط هو الأفضل: بين أولمرت والانتخابات المبكرة توجد تسيبي ليفني، ويجمع غالبية المعلقين على أن الحل الأمثل بالنسبه إليه يكمن في تعليق مهام أولمرت ونقل صلاحياته إلى ليفني، لتصبح رئيسة حكومة يكون باراك من نجومها؛ ففي هذه الحالة، سيتخلص من عبء أولمرت، ويبسط نجوميته في حكومة ليفني «حديثة العهد». هناك سيبرز سياسياًَ وعسكرياً، سيكون «الجوهرة المتمترسة فوق عدم خبرة ليفني»، حسبما كتب سيما كدمون في «يديعوت أحرونوت». سيستعد لانتخابات مقبلة بخطى أفضل. لكنَّ الواقع يهدد خياره المشتهى، والرياح في «كديما» متجهةً نحو «انتخابات داخلية»، هي الأولى من نوعها في تاريخ الحزب، الذي لا يعرف حتى اليوم معنى الانتخابات الداخلية، فقد تشكلت قائمته الأولى (الحالية) مثل لعبة «ليغو» بأيدي مقربي شارون بعدما غرق الأخير في غيبوبة، وصراعات الحزب الحالية لا تترك للوضوح متسعاً. في تعليقها على الأمر، كتبت كدمون أن «باراك حاول دحرجة الكرة إلى ملعب كديما. وبشكل أكثر دقة إلى رجلي ليفني على أمل أن تحرز هي الهدف، لكنها أسيرة صمتها».
باراك لم يفرض انتخابات مبكرة، لكنَّ اقترابها فرض عليه تأييدها. لا يمكن التنبؤ اليوم بصورة الانتخابات المقبلة. كيف سيكون وقعها وملامحها على جمهور سيتجه إلى صناديق الاقتراع البرلمانية للمرة السادسة خلال 12 عاماً. لكنّ أوضح ما في الأمر أنَّها باتت وشيكة أكثر من أي وقت مضى. إذا لم تأت سياسياً، فستأتي قضائيّاً على شاكلة لائحة اتهام ضد أولمرت. ومن الأفضل لباراك أن يكون هو المبادر إليها. تماماً كما في المعارك، فإنّ للمبادر تفوّقاً ما، ليس بالضرورة يحسم المعركة، لكنه بالتأكيد يكون نقطة قوة.
العاصفة السياسية في إسرائيل، التي بدأت بخبر من دون تفاصيل سرّب قبل شهرٍ للقناة الإسرائيلية الثانية عن تحقيق «في قضية ما» مع أولمرت، وضعت كل الأحزاب الإسرائيلية في مهب الحسم السياسي. ففي مقال نشرته صحيفة «هآرتس» على صفحتها الاولى، قال محلل الشؤون الحزبية يوسي فيرتر: «خلافاً للتقديرات، فإنَّ الخيول السياسية سبقت الخيول القضائية. سيمنح إيهود باراك حزب كديما شهراً ليستعد، لكنه لن ينتظر حتى تقديم لائحة اتهام». وتابع: «من الصعب في هذه المرحلة رسم صورة واضحة لما سيجري، فالغبار لا يزال مهيمناً على منظومة سياسية تائهة وعاصفة». وأضاف: «لكن لم تعد الشكوك تساور أحداً، حتى المقربين من رئيس الحكومة إيهود أولمرت، بأن هذا سيحدث، والانتخابات على الأبواب، نصف عام أو ثمانية أشهر في حدٍّ أقصى».

نهاية القصة

في دولة طبيعية، كان على باراك أن يكون سعيداً وطموحاً للعودة إلى رئاسة الحكومة على رأس حزب كبير ومنافس. لكنَّ الطبيعية بعيدة عن المشهد الإسرائيلي. باراك اليوم سيخوض الانتخابات من دون جهوزية متحديّاً ماضيه. الجمهور الإسرائيلي لن ينظر إلى «إنجازاته العسكرية» عندما كان قائداً لهيئة الأركان مع بداية تسعينيات القرن الماضي. لن يعود إلى صورة الجنرال الذي خلع البزة العسكرية وجلس في حكومة إسحق رابين وصار وزيراً للداخلية في عام 1995. بالنسبة إليهم، باراك هو الذي حطّم حزب «العمل» بعد فشله أمام شارون ووقوفه إلى جانب شمعون بيريز ووعده بالتغيير بعد تفوقه على عامير بيرتس وعامي أيالون في انتخابات حزب «العمل» الأخيرة، لكن لا شيء تغير منذ ذلك الوقت.
في خلاصة «الحكاية»، لا يمكنه أن يتراجع عمّا قاله في المؤتمر الصحافي الاخير. وأشارت كدمون إلى أنه «خلال وقت قصير، سيجد باراك نفسه مجبراً على تنفيذ ما وعد به. هذه المرة، لن يساعده شيء حتى لو أقام أولمرت سلاماً شاملاً مع سوريا وإيران معاً، القصة انتهت. متجهون نحو الانتخابات».