strong>«الحرب المقبلة لن تكون كاتيوشا وهذه البيوت التي نسكنها لن تحمي نملة من الموت»
حيفا ــ فراس خطيب
لم تأتِ المناورات الداخلية، التي تجريها إسرائيل منذ الأحد الماضي، بجديد على فلسطينيي 48، فلا يزال معظمهم يعيش في مناطق غير آمنة، رغم تعرض البلدات العربية لقصف صاروخي مكثف في «عدوان تموز» الأخير ما أدى الى استشهاد 18 منهم وجرح العشرات. ويبدو جلياً أن «استخلاصات العبر» من حرب لبنان الثانية إسرائيلياً، لم تشملهم: اكتظاظ سكاني، فقر في الغرف الآمنة والملاجئ العمومية والخاصة. وغالبية المباني في البلدات القديمة غير ثابته ومهدّدة بالهدم في أي لحظة، وأوضاع لم تتغير ولا يبدو أنَّها ستتغير.
الأمور، شكلياً، «سارت على ما يرام»: طواقم الدفاع المدني الإسرائيلي والإنقاذ حضرت إلى جزء كبير من القرى العربية للتمرينات مع تغطية إعلامية احتفالية يبدو فيها «قلق» المؤسسة العبرية على المواطنين. «طلبوا منَّا أن ننزل تحت المقعد الدراسي، ومن ثمّ إلى الملجأ في المدرسة»، يقول أحد الطلاب الابتدائيين في الناصرة. لكنَّ هذه الشكليات والحضور والتدريبات وتبيان «الاهتمام» بالطلاب العرب، لم تسعف الحال الفلسطينية وأوضاع القرى والمدن العربية المزرية من حيث الجهوزية. ففي مدينة الناصرة، المدينة العربية الفلسطينية الأكبر داخل حدود الدولة العبرية، تنعدم الملاجئ في 65 في المئة من مدارسها، ولا تحتوي ثلثا مبانيها على غرف آمنة، وليس هناك ملجأ عمومي واحد. وقالت البلدية إنَّ طواقمها جاهزة من حيث تقديم الخدمات، لكنَّ المدينة «ليست جاهزة لحرب مطلقاً». وهذه الحال تسري على كل القرى والمدن العربية.
صفّارات الإنذار دوَّت صبيحة أول من أمس في حيفا. سبقتها على مدار أيام مضت إعلانات تهيّئ الجمهور الإسرائيلي العام، بأنَّ هذه الصفّارة «مجرد مناورة لا أكثر، ولا حاجة إلى الخوف». الناس لم يكترثوا، وواصلوا حياتهم كالمعتاد وسط أصوات تذكّرهم بـ«حرب لبنان الثانية»، فيما هبَّ الخوف في نفوس بعض المسنّين اليهود المتجولين هناك، «هؤلاء مسنّون روس، أو يمنيّون، لا يفهمون العبرية، ولم يسمعوا عن المناورة فخافوا»، يقول الطالب الجامعي مجد ضاحكاً.
لكنَّ الحال ليست كما تبدو، ففي حديثهم، لا يخفي الناس شعورهم بعدم الأمان: «الحرب المقبلة لن تكون كاتيوشا، وهذه البيوت التي نسكنها لن تحمي نملة من الموت»، يقول أحد سكان وادي النسناس الحيفاوي، أكبر الأحياء العربية في المدينة، الذي كان عرضة للصواريخ في عدوان تموز الماضي، واستشهد اثنان من سكانه وجرح العشرات. ويشير الشاب بيده إلى البيوت العربية القديمة «الآيلة للسقوط» على حد قوله «لا أحد يلتفت إلينا. فقط لأننا عرب».
كان على كل من يسمع الصفّارة يوم مناورة «الجبهة الداخلية»، أن يتجه مباشرة إلى «الحيّز الآمن» في البيت، أو أن يكون خلال 30 ثانية في ملجأ البناية أو الحي. لكن لم يفعل أحد. «هذه مناورات لطلاب المدارس فقط، ليست للكبار»، يقول شاب حيفاوي. ويضيف «لنفرض أننا سنشارك في هذه المناورة، وسنضحك على أنفسنا، أين سنذهب؟ إلى أي حيّز آمن سنهرب في البيت؟ وإلى أي ملجأ أصلاً سنذهب؟ فضّلنا عدم الاهتمام والاتكال على الله».
حليم حدّاد، من سكان حي وادي النسناس. ناشط ميداني في الحركة الوطنية، قوي البنية، ولديه ما يقوله عن كل شيء في الحيّ. يشير من شباك بيته الواقع في حي قيسارية إلى الحي العربي المكتظ، ليقول إنَّ «هذا الحي العربي لا يستوعب الملاجئ، حتى لو أرادوا بناء الملاجئ فيه، انظر إلى الاكتظاظ السكاني والمباني غير الآمنة؟ أين سيبنون الملاجئ حتى لو أرادو؟». ويرى أن بلدية حيفا «تعمل على الترميم الشكلي للحي، ضوء هنا، رصيف هناك، ومبنى صغير هنا، لكنَّ القضايا الجوهرية لا حلول لها».
يسير حليم في شوارع الواد. يقول إن هناك ملجأً واحداً في مدرسة الاخوة لطلاب المدرسة، لكن في خلاصة الأمر «الحي العربي، الذي تسكنه النسبة الأكبر من العرب في حيفا، ليس آمناً ولا لحظة في ساعة الحرب».
يسكن في الشمال ما يقارب 815 ألف فلسطيني من أصل مليون ومئتي ألف فلسطيني منتشرين في الجنوب والمركز. غالبية القرى والمدن العربية كانت في عدوان تموز تحت تهديد الصواريخ. وبعد نحو عامين، لا تزال الأمور من دون أن يطرأ عليها أي تحسّن يذكر. وقال أحد مواطني قرية مجد الكروم الجليلية، التي كانت الأكثر عرضة للصواريخ، إنّ الجبهة الداخلية والحكومة الإسرائيلية لم تبنيا «ملجأً واحداً في القرية منذ عامين، علماً بأنَّ مجد الكروم تعرّضت لقصف صاروخي مكثف، واستُشهد اثنان من مواطنيها».
وكان مراقب الدولة قد أصدر تقريره في تموز العام الماضي، أشار من خلاله إلى إهمال الجبهة الداخلية لفلسطينيي الـ48. وتبيّن من خلاله أن جناح خدمات الطوارئ في وزارة الداخلية منح بين الأعوام 2002ــ 2006، 1.71 مليون شيكل فقط للبلدات العربية، من أصل 47 مليون شيكل جرى توزيعها.
وأشار التقرير إلى أنه ليست هناك ملاجئ عامة في مدينة الناصرة وقرية عرابة، لا في الأحياء ولا في المدارس. ووزارة الداخليّة لم تموّل الاعتناء اليومي بالملاجئ العامة في السنوات الأخيرة في غالبية السلطات المحلية العربية في الشمال.
quote: كان مراقب الدولة قد أصدر تقريره في تموز العام الماضي، أشار من خلاله إلى إهمال الجبهة الداخلية لفلسطينيي الـ48. وتبيّن من خلاله أن جناح خدمات الطوارئ في وزارة الداخلية منح بين الأعوام 2002ــ 2006، 1.71 مليون شيكل فقط للبلدات العربية، من أصل 47 مليون شيكل جرى توزيعها. وأشار إلى أنه ليس هناك ملاجئ عامة في مدينة الناصرة وقرية عرابة، لا في الأحياء ولا في المدارس.